الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن المنافقين اتخذوا مسجداً، فلما فرغوا منه جاءوا إلى نبي الله وهو يتجهز لغزوة تبوك، فقالوا: يا رسول الله، بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة، والليلة المطيرة، [و] إنا نحب يا رسول الله أن تأتينا فتصلي فيه، قال رسول الله: " إنا على سفر وحال شغل، ولو قدمنا من سفرنا أتيناكم فصلينا لكم فيه إن شاء الله " ، فأنزل الله على رسوله: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً... } الآية؛ أخبر فيه أنهم لم يقصدوا ببناء مسجدهم ذلك ما ذكروا: إنا بنينا [مسجداً] لذي العلة والحاجة، والليلة المطيرة، والإشفاق على الدين، وحفظ الصلاة بالجماعة، ولكن يقصدون به ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين.

وقوله: { ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

يكون قوله: { وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } تفسيراً لقوله: { ضِرَاراً } يقصدون ببناء المسجد الذي بنوا ريبة أن يفرقوا بين المؤمنين وبين رسول الله، حتى إذا جاءهم العدو وجدهم متفرقين، فيكون أيسر وأهون عليهم في الكسر عليهم، والظفر بهم من أن كانوا مجموعين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لن يغلب اثنا عشر ألفاً كلمتهم واحدة ".

وقوله:وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [آل عمران: 103] جعل الاجتماع في الدين نعمة، ونهاهم عن التفرق وهم كانوا يقصدون قصد التفريق بينهم؛ لما ذكرنا، أو كانوا يقصدون بذلك أن يفرقوا بين ضعفة من المؤمنين وبين رسول الله، فيلبسوا عليهم الدين؛ لأنهم كانوا أهل لسان وجدل، وذلك كله كفر على ما ذكر.

وفيه دلالة إثبات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معلوم أنهم أسرّوا وأضمروا فيما بينهم الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين، فأطلع الله نبيه على ما أسرّوا؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.

وقوله - عز وجل -: { وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }.

أي: بنوا ذلك المسجد إرصاداً لمن حارب الله ورسوله.

قال عامة أهل التأويل: هو أبو عامر؛ ذكر أن أبا عامر حارب رسول الله، ثم فرّ منه، فقال للمنافقين: ابنوا مسجداً واستعدوا، فإني ذاهب إلى قيصر بالشام، [فآتي بجند فنخرج محمداً وأصحابه من المدينة. فذهب إلى قيصر بالشام]، فبنوا مسجداً إرصاداً لمن حارب الله ورسوله، يعني: أبا عامر.

قال القتبي: ضراراً، أي: مضارة، وإرصاداً، أي: ترقباً بالعداوة.

وقال أبو عوسجة: { ضِرَاراً } ، أي: مضارة، { وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، أي: وقوفاً وانتظار الفرصة لمن حارب الله على المؤمنين.

وقوله - عز وجل -: { وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا }.

أي: حلفوا ما أردنا باتخاذ المسجد.

{ إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } والخير.

{ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.

السابقالتالي
2 3