الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } * { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } * { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } * { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

قوله - عز وجل -: { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ * كَلاَّ } الإشكال أن يقول قائل: قول ذلك الإنسان: { رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } ، و { رَبِّيۤ أَهَانَنِ } خرج موافقا لما قاله الرب تعالى؛ لأنه قال: { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ }؛ فخرج قوله: { رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } على الموافقة لما قال، وكذا قول هذا الإنسان حيث ابتلي بنقيضه: { رَبِّيۤ أَهَانَنِ } ، خرج موافقا لما قال: { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } ، فإذا كان الأول إكراما كان الذي يضاده إهانة؛ ألا ترى أن الله - تعالى - سمى المال: خيرا، والفقر: شرا، وسمى المطيع: محسنا، والعاصي: مسيئا، فكذا إذا استقام القول بالإكرام عندما ينعم عليه ويكرم، استقام القول بالإهانة إذا ضيق عليه الرزق ولم يكرم، وإذا كان هكذا فكيف رد عليه مقالته بقوله: { كَلاَّ } ، وهو في ذلك صادق.

ولكن نحن نقول: إن الرد بقوله: { كَلاَّ } لم يقع على نفس القول، ولا انصرف إليه، وإنما انصرف إلى ما أراده بقوله؛ لأن القائل بهذا كافر بالله تعالى وباليوم الآخر، وكان يقول: لا بعث ولا جزاء، وإنما يجازون بأعمالهم في هذه الدنيا، فمن أحسن أحسن له، ومن أساء أهين؛ فيكون قوله: { كَلاَّ } ، أي: ليس الأمر كما صوره في نفسه؛ بل الدنيا دار عمل، وللجزاء بالكفر والإيمان دار أخرى، وهذا كقوله:إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون: 1]، وهم لم يكونوا كاذبين في شهادتهم ومقالتهم، بل كانوا صادقين أنه رسول [الله]، وإن الله - تعالى - يعلم أنه رسوله، ولكنهم كانوا اعتقدوا تكذيبه في قلوبهم؛ فكانوا يظهرون خلاف ما أضمروا في أنفسهم؛ فإلى ما أضمروا انصرف التكذيب، لا إلى نفس القول؛ كذا هذا.

ولأن أهل الكفر كانوا أصنافا: فمنهم من كان يرى إذا بسط عليه النعيم في الدنيا وأكرم فإنما بسط عليه لما استوجبه بفعله، وإذا ضيق عليه وابتلي بالشدة فإنما ضيق عليه بإساءته وبما كسبت يداه.

ومنهم من كان يظن أنه من الله - تعالى - بمنزلة، وأنه مستوجب للإنعام، وأنه إذا بلي بضيق العيش وأصابته شدة، أصابه ذلك من عند محمد عليه الصلاة والسلام؛ فيتشاءمون به؛ ألا ترى إلى قوله:وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [النساء: 78]؛ وعلى هذا كان ظن فرعون [وقومه]؛ قال الله - تعالى -:فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [الأعراف: 131].

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7