الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْفَجْرِ } * { وَلَيالٍ عَشْرٍ } * { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } * { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } * { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } * { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } * { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } * { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } * { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ } * { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } * { ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ } * { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } * { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ } كان العرب من عادتهم أنهم إذا استحسنوا شيئا عظموه، وإذا عظموه أقسموا به.

ثم - إن الله - تعالى - جعل في الحج وأوقاته لطائف من الحكمة وعجائب من التدبير، فمن لطيف حكمته وعجائب تدبيره أنه جعل المكان الذي يحج فيه مأمنا للخلق من وجه لا يعرف الخلائق المعنى الذي به وقع الأمن والإلف بين الخلق؛ حتى رغبوا جميعا في الاجتماع هنالك مع تباغضهم وتعاديهم فيما بينهم من وجه لا يدرك معناه، وجعل أهلها يتقلبون في البلاد آمنين؛ حتى قال - عز وجل - لنبيه - عليه السلام -:لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [آل عمران: 196] [و] سخر أهل الآفاق في حمل ما يقع لأهل مكة إليه حاجة من الميرة وغيرها، وجعلهم بحيث يرغبون في الإتيان إليها مع عظم ما يلزمهم من المؤن في الإتيان إلى مكة للحج؛ فثبت أن فيها معاني ولطائف هي خارجة عن قواهم وتدبيرهم؛ فكان في ذكرها ما يوجب القول بالقدرة على البعث، ويزيل عنهم الشبهة في أمرهم؛ فأقسم لما عظم من شأنها لمكان أنها أوقات الحج، فعامة أركان الحج تؤدى فيها، وعادة العرب أنهم يقسمون بآبائهم وأجدادهم وأصنامهم؛ لما هي معظمة عندهم، وهذه الأشياء معظمة عندهم؛ فجرى القسم بها؛ جريا على عادتهم، ويدخل في أوقاتها الشفع والوتر والفجر، فقالوا: الشفع: يوم النحر؛ لأنه اليوم العاشر من الشهر، والوتر يوم عرفة؛ لأنه اليوم التاسع.

وجائز أن يكون أريد بالشفع والوتر والليل إذا يسر: العبادات جملة إذ ما من عبادة إلا وفيها شفع ووتر.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } ، أي: يُسرى بها، وفي ذلك كناية عن الجهاد والإغارة بالليل، كما يذكر في قوله:وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } [العاديات: 1-3]؛ فيكون هذا كله إشارة إلى جملة العبادات.

ووجه القسم بالعبادات: أن الله - تعالى - عظم أمر العبادات في قلوب الخلائق؛ حتى تراهم جميعا يستحسنونها ويعظمون أمرها، وإنما يقع الاختلاف بينهم في ماهيتها - إلا أن يقع التمانع بينهم في أنفسها - فأقسم بها.

وجائز أن يكون أريد بالوتر هو الله تعالى، وأريد بالشفع الخلائق؛ إذ خلقهم أزواجا، والله تعالى هو الواحد بذاته؛ فيكون القسم بذاته وبجميع الخلق.

ويحتمل أنه أريد بالشفع والوتر [الخلائق جملة؛ إذ فيهم المعنيان جميعا: الشفع، والوتر؛ فيكون قسما بجميع الخلائق].

وقوله - عز وجل -: { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } يحتمل أن يكون تأويله: أن وجه القسم بهذه الأشياء يعرفه ذوو الحجر، وهم ذوو الألباب والحجا، لا أن يعرفه الجهلة.

السابقالتالي
2 3