الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } * { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } * { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ }

قوله - عز وجل -: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قيل فيه من أوجه:

أحدها: أن سبح ربك.

وقيل: سبح اسمه.

وقيل: سبح ربك بأسمائه.

فمن قال: سبح ربك، فمعناه: أن نزهه عن جميع المعاني التي يحتملها غيره من الآفات والحاجات والأضداد والأنداد؛ فيكون القول به توحيدا.

وروي عن مقاتل بن سليمان أنه قال: تأويله: وحد ربك، وتوحيده ما ذكرنا.

وقال بعض المفسرين: تأويله: أن صل لربك؛ وهذا محتمل؛ لأن الصلاة بنفسها تسبيح؛ لأنه بالافتتاح يقطع وجوه المعاملات بينه وبين الخلق، ويمنع نفسه عن حوائجها؛ فيجعلها لله تعالى، وهذا هو التوحيد والإيمان؛ لأنه بالإيمان يجعل الأشياء كلها لله تعالى سالمة؛ فصارت الصلاة تسبيحا لعينها، لا للتسبيح المجعول فيها.

ومن حمل التسبيح على الاسم، فقال: نزه اسمه، فذلك يرجع إلى الأسماء الذاتية، [و] هو ألا يشرك غيره فيسميه بها، والأسماء الذاتية قوله: الله الذي لا إله غيره الرحمن، وما أشبهه من الأسماء، وتنزيهه للأسماء الصفاتية: أن ينزهها عن المعاني التي استوجب الخلق الوصف به، كقولك: عالم، حكيم، رحيم، مجيد؛ فمن وصف بالعلم من الخلائق فإنما استوجب الوصف به بأغيار دخلن فيه، واستوجب الوصف بالحكمة والوصف بالمدح بالأغيار، والله - تعالى - استحق الوصف به بذاته، لا بأغيار، فينصرف التنزيه إلى الأغيار؛ إذ صفاته ليست بأغيار للذات؛ وهي لا تفارق الذات، فالامتداح الواقع بالصفات امتداح بالذات الموصوف بها، والله الموفق.

وقال بعضهم: معناه: سبح بالحمد والثناء؛ وهو يرجع إلى ما ذكرنا من التأويل الأول، وهو أن يحمده بالثناء الذي يتضمن التوحيد والتنزيه عن معاني الخلق.

ومن قال: سبح ربك بأسمائه؛ فهذا ظاهر، وهو أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأسماؤه معروفة، لا نحتاج إلى إظهارها.

وقوله - عز وجل -: { ٱلأَعْلَىٰ } ظاهره يقتضي أن يكون هناك أدون وأسفل، وكذلك قول: " الله أكبر " ظاهره يقتضي الأصغر، ولكن معنى قوله: { ٱلأَعْلَىٰ } أي: هو أعلى من أن تمسه حاجة أو تلحقه آفة، وكذلك هذا في الأكبر، ويكون الأكبر والأعلى في النهاية عن تنزيه المعاني التي ذكرنا، وهو كقولك: هو أحسن وأجمل، فإذا قلت: أحسن وأجمل، أردت به النهاية في الحسن والجمال.

أو يكون { ٱلأَعْلَىٰ } بمعنى: العلي و " الأكبر " بمعنى: الكبير، وذلك جائز في اللغة.

وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } يحتمل أوجها:

أحدها: أن يكون سواه على ما قدره، خلافا لأفعال الخلق؛ لأن الفعل من الخلق يخرج مرة سويا على [ما] قدر، ومرة بخلافه.

أو يكون سوى الخلق كله في دلالة وحدانيته وشهادة ربوبيته، فما من خلق خلقه إلا إذا تفكر فيه العاقل، دلت خلقته على معرفة الصانع، ووحدانية الرب.

السابقالتالي
2