الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } * { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } * { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } * { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ }

قوله - عز وجل -: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } ، أي: من أتى بما تزكو به نفسه، أو أتى بما تطهر نفسه به، وسنذكر في سورة " وَالْشَّمْسِ وَضُحَاهَا " ما تأويل الفلاح؟ [إن شاء الله تعالى].

وقوله: { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } ، يحتمل أن يكون أريد به أنواع العبادات، لا الصلاة المعروفة وحدها؛ لأن الصلاة اسم للدعاء والثناء ولأنواع من الكرامات؛ فإنه يقول: بذكر الرب ما يصل إلى العبادات، ومن أعرض عن ذكره حرم أداء العبادات.

أو يكون منصرفا إلى الصلاة المعروفة؛ فيكون قوله: { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } ، أي: يصلي بتقديمه اسم الرب؛ فيكون ذلك منصرفا إلى الافتتاح؛ فيكون حجة لأبي حنيفة - رحمه الله - أن المصلي له أن يفتتح صلاته بأي أسماء الله تعالى أحب.

ثم ذكر اسم الرب يقتضي المعاني التي ذكرنا في قوله تعالى:سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1].

وقوله - عز وجل -: { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } ، أي: تؤثرون حياتها على حياة الآخرة، ويكون الخطاب منصرفا إلى المنافقين والكفرة، لا إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانوا في الإيثار مختلفين؛ فمنهم من آثرها في أن نظر في الدنيا وأعرض عن النظر في الآخرة وجحدها.

ومنهم من كان أغلب سعيه لأمر الدنيا.

ومنهم من كان يؤثر بعض أحوالها على الآخرة.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } ، أي: إيثار الحياة الآخرة خير وأبقى من إيثار الحياة الدنيا.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ }:

قال بعضهم: الآيات الأربع في صحف موسى وإبراهيم، أولهن { قَدْ أَفْلَحَ... } إلى قوله { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }.

وقال بعضهم: السورة كلها أنزلت على إبراهيم وموسى عليهما السلام، فإن كانت السورة كلها في الصحف الأولى، فجميع ما في هذه السورة ذكر فيها بحق الحاجة لهم إلى تعرفها، ويكون قوله:سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6] مذكورا بحق الثناء على رسول صلى الله عليه وسلم ووجه الثناء: ما ذكر في قوله:يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ... } إلى آخر الآية [الأعراف: 157]، وهو يستحق الثناء بهذا الحرف لما في حفظه - عليه السلام - جميع ما يوحى إليه بمرة واحدة إكرام له وتفضيل؛ فصلح أن يثنى عليه بهذا.

وفي قوله - تعالى -: { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } دلالة أن اختلاف الألسن لا يغير الأشياء عن حقائقها؛ لأن الله - تعالى - شهد بكون هذا في الصحف الأولى؛ وليس في الصحف الأولى بهذا اللسان؛ فيكون فيه حجة لأبي حنيفة - رحمه الله - في تجويز القراءة بالفارسية، والله أعلم.