الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } * { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } * { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ } * { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } * { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ } * { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ } * { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } * { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } * { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } ، أي: أخذه للانتقام شديد، يشتد على الذي يعذب؛ كقوله - تعالى -:وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102].

وقوله: { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ }.

قال بعضهم: يبدئ العذاب، ثم يعيده.

وقال بعضهم: يبدئ الخلق، ثم يعيده بعدما أماته.

وقوله: { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ } الغفور: هو الستور يستر على المذنب ذنبه إذا تاب حتى لا يذكر به، ولولا ذلك لم يكن يصفو له نعيم الآخرة عن التنغيص.

[وقوله]: { ٱلْوَدُودُ }: الذي يتودد إلى خلقه فيما ينعم عليهم ويحسن إليهم؛ قال [النبي] - عليه السلام -: " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها " ؛ فجعل الإحسان سبب التودد.

والثاني: أن كل من واد آخر، فالحق عليه أن يوده في الله - تعالى - لأنه به نال ما به يتودد؛ قال الله - تعالى -:إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } [مريم: 96]، فكأنه يقول: هو المستوجب للمودة من الخلق.

وقوله - عز وجل -: { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } منهم من جعل المجيد نعتا للعرش.

ومنهم من جعله نعتا لله تعالى.

فمن جعله نعتا للعرش فهو مستقيم؛ لأنه وصفه في مكان آخر بالكريم بقوله:لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } [المؤمنون: 116]، والمجيد يقرب معناه [من] معنى الكريم؛ لأن الكريم هو الذي عظم قدره وشرفه، والمجيد كذلك هو الشريف المعظم، وعظم قدر العرش في قلوب الخلق وعلا حتى زعم بعض الناس أنه مكان الرب تعالى، والكريم في الشاهد هو الذي يطمع عنده وجود ما يرجى ويؤمل، ويؤمن منه ما يتقى ويحذر، وسمى الله - تعالى - النبات: كريما بقوله:فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } [لقمان: 10]؛ لما فيه من عظم المنافع، والكريم: هو النافع للخلق.

وقوله - عز وجل -: { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } ، أي: ما يريد تكوينه يكونه؛ فيكون فيه إيجاب القول بخلق أفعال العباد، وأنه شاء لكل أحد ما علم أنه يكون منه؛ لأنه امتدح - جل وعلا - بالفعل لما يريد، ولو لم يثبت له صنع في أفعال العباد، لكان لا يختص بهذا الامتداح؛ بل يكون كل واحد مستوجبا لهذا المدح؛ فثبت أن كون حقائق الأشياء بما لله - تعالى - فيه صنع.

والثاني: أن إحداث شيء في سلطان آخر وفي مملكته من حيث لا يشاؤه ولا يريده آية الضعف والقهر، ومن ذلك وصفه، لم يجز أن يكون ربّاً؛ لذلك لزم وصف الله - تعالى - بذلك.

وجائز أن يكون قوله - تعالى -: { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } ، أي: البعث، وهو أنه أنشأ هذا الخلق للعاقبة، وهكذا فعل كل مختار أنه يقصد بفعله العاقبة إلا أن يكون جاهلا بها.

السابقالتالي
2