الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } * { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } * { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } * { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } * { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } * { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } * { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } * { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } ، فقوله: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } على القسم، وكذلك ما ذكر عقيبه.

ثم اختلف في موضع القسم في هذه السورة:

فمنهم من ذكر أن القسم لمكان قوله: { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ }.

ومنهم من يقول: القسم موضعه على قوله:إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [البروج: 12]، وهو أشبه؛ لأنه في موضع الاحتجاج على الكفرة.

ولو حمل القسم على قوله: { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } ، كان ذلك منصرفا إلى المؤمنين، والمسلمون قد تيقنوا بصدق ما يأتي به الرسول من الأنباء، والقسم يذكر على تأكيد ما يقصد إليه؛ ليزال عنه الريب، فإذا كان المسلمون غير مرتابين في نبئه استغنوا عن تأكيده بالقسم؛ فلذلك قلنا: إن صرفه إلى قوله - تعالى -:إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [البروج: 12] أليق؛ فيكون فيه تحذير لمن كذب رسوله صلى الله عليه وسلم أن بطشه لمن كذب رسوله لشديد، وقد علموا ذلك بما وصل إليهم من نبأ عاد، وثمود، وفرعون، وغيرهم.

وجائز أن يكون موضع القسم على قوله: { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } ، وذلك أن أهل مكة كانوا أهل تعذيب لمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان في ذكر ما نزل بالمتقدمين من الفراعنة من العذاب، وصبر أولئك المعذبين على دينهم، وضنهم به، وحسن ثناء الله - تعالى - عليهم تصبير لهم، وتهوين على ما يلقون من العذاب؛ لينالوا من حسن ثناء الله - تعالى - عليهم ما ناله من صبر من تقدمهم من السلف.

وكذلك ذكر سحرة فرعون، وأحسن الثناء عليهم بصبرهم على تعذيب فرعون، فقالوا:فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } [طه: 72]؛ ليكون ذلك عونا لهم على الصبر بما يلقون من الكفرة من التعذيب، ثم أكد الأمر بالقسم؛ لأنه لا كل مسلم يبتلى بتعذيبهم يبلغ يقينه مبلغا لا يعتريه الشك، ولا يتخالجه شبهة في ذلك؛ فأكد الأمر بالقسم؛ لرفع الريب والإشكال.

وقال - تعالى -:وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } [آل عمران: 146]، وفي بعض القراءات: { قتل معه ربيون كثير } ،فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } [آل عمران: 146]، فذكّر المؤمنين ما لقي السلف من الكفرة، وابتلوا بقتل الرسل وثباتهم على الدين؛ ليستعينوا به على ما يصيبهم في سبيل الله، ولا ينقلبوا على أعقابهم إذا أخبروا بقتل الرسول.

وفي ذكر هذه الأنباء دلالة أن قول الرسول - عليه السلام - لعمار رضي الله عنه: " إن عادوا فعد " حين أكره على إجراء كلمة الكفر على لسانه، فأجرى وقلبه مطمئن بالإيمان - ليس على الأمر به والإيجاب عليه، والتحصيل بطريق العزم؛ بل معناه: إن عادوا فلك العود؛ على سبيل الرخصة؛ لأنه لو كان على الأمر، لم يكن في ذكر نبأ أصحاب الأخدود وسحرة فرعون فائدة، سوى أن يترك العمل بهما، ومعلوم أن تلك الأنباء إنما ذكرت؛ ليعمل بها لا ليترك بها العمل؛ لذلك حمل قوله: " فعد " على الرخصة، لا على الأمر به، ويكون المراد من قوله - عليه السلام - أيضا:

السابقالتالي
2 3 4 5 6