الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } * { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } * { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

قوله - تعالى -: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } منهم من حمل قوله: { فَلاَ } على دفع منازعة وقعت فيما بين القوم؛ على ما نذكر في سورةلاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [البلد: 1] [إن شاء الله]، وإنما القسم قوله - عز وجل -: { أُقْسِمُ }.

ومنهم من جعل " لا " بحق الصلة.

فإن كان على الوجه الأول، لم يجز حذف " لا " من الكلام؛ بل حقه أن يقرأ { فَلاَ أُقْسِمُ }.

وإن كان بحق الصلة استقام حذفه، كما قرأ بعض القراء: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ }.

ثم الشفق هو أثر النهار، فجائز أن يكون القسم واقعا على النهار كله، وإن كان ذكر طرفا منه.

والثاني: أن الشفق يجتمع فيه أثر النهار - وهو النور الذي فيه - وأثر الشمس - وهو الحمرة التي تكون فيه - فيكون القسم واقعا على النهار بما فيه، كما كان واقعا على الليل بما فيه؛ لقوله: { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ }؛ فيكون فيه حجة لقول أبي حنيفة [- رضي الله عنه -]: إن وقت العشاء لا يدخل حتى يغيب البياض؛ لأن وقتها يدخل بغيبوبة الشفق، والشفق وجدناه مشتملا على البياض والحمرة، فما لم يتم الغيبوبة لم يهجم وقتها؛ ألا ترى أن الصلاة التي تلي الغروب لا يدخل وقتها حتى يتم غروب الشمس، فعلى ذلك الصلاة التي تلي غروب الشفق لا يدخل وقتها حتى يتم الغيبوبة.

وقوله - عز وجل -: { ٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } قال بعضهم: { وَسَقَ } ، أي: وما ساق وحمل معه من الظلمة والنجم والدابة، وغير ذلك.

والوسق: الحمل، يقال: وسق بعير، أي: حمل بعير.

وقال بعضهم: وسق، أي: جمع وساق كل شيء إلى مأواه من الطير والسباع، فذكر النهار والليل؛ لما فيهما من المنافع.

وقوله: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } فالاتساق: الاجتماع، ومعناه: استوى، وكمل؛ إذ ذلك اجتماعه، وذلك في ليالي البيض.

وقال أبو بكر الأصم: معناه: أنه جُمع وسوي بعد أن كان كالعرجون القديم فيذكرهم قوته؛ ليعلموا أنه قادر على بعثهم.

وقوله - عز وجل -: { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قرئ بنصب الباء ورفعها، وكلا القراءتين في المعنى واحد، وإن كان في الظاهر إحداهما للجمع والأخرى للوحدان، وإحدى القراءتين بحرف الجمع ليذكر بالرفع، فإن قوله: { لَتَرْكَبُنَّ } منصرف إلى كل إنسان في نفسه خاصة لا على الاقتصار على شخص واحد؛ لما ليس في قوله - عز وجل -:يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ } [الإنشقاق: 6] إشارة إلى شخص بعينه، ولكن المراد منه الجملة؛ فثبت أن الخطاب منصرف إلى الجملة.

ثم قوله: { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قيل: حالا بعد حال.

ثم جائز أن يصرف إلى دار الآخرة، فكأنه قال: لتركبن حال الآخرة بعد حال الدنيا؛ فيكون فيه تصريح القول على إيجاب البعث.

السابقالتالي
2 3 4