الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } * { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ } * { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ }: قد ذكرنا أن البر هو الذي ما طلب منه، والذي طلب منه ما ذكر في قوله:لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ... } [البقرة: 177] إلى قوله:وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [البقرة: 177]، وفي هذه الآية دلالة على ما ذكرنا أن البر إذا ذكر دون التقوى، اقتضى المعنى الذي يراد بالتقوى؛ لأنه أخبر أن البر هو الإيمان بالله - تعالى - واليوم الآخر، ثم ذكر أن الذي جمع بين هذه الأشياء، فهو المتقي.

ثم احتجت المعتزلة لقولهم بالتخليد في النار لمن ارتكب الكبيرة بقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } إلى قوله: { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ }؛ لأن مرتكب الكبيرة فاجر، وقد وصف الله - تعالى -: أن الفجار لفي جحيم، ولا يغيب عنها، وزعموا أنه [ما] لم يأت بالشرائط التي ذكر في قوله:وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [البقرة: 177] فهو غير داخل في قوله: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ }.

والأصل عندنا ما ذكرنا: أن كل وعيد مذكور مقابل الوعد فهو في أهل التكذيب؛ لما ذكر من التكذيب عند التفسير بقوله:كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } [المطففين: 7] إلى قوله:وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [المطففين: 10]، وقال:تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 104]إلى قوله:فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [المؤمنون: 105]، وإذا كان كذلك، لم يجب قطع القول بالتخليد في [النار] لمن ارتكب الكبيرة، بل وجب القول بالوقف فيهم.

ثم [إن] الله - تعالى -: جعل لأهل النار يوم البعث أعلاما ثلاثة، بها يعرفون، وتبين أنهم من أهل النار، لم يجعل شيئا من تلك الأعلام في أهل السعادة:

أحدها: اسوداد الوجوه بقوله:وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106].

والثاني: بما يدفع إليهم كتابهم بشمالهم، ومن وراء ظهورهم، ويدفع إلى أهل الجنة كتبهم بأيمانهم.

والثالث: في أن تخف موازينهم، وتثقل موازين أهل الحق.

فهذا أعلام أهل الشقاء، وفيما ذكر اسوداد الوجوه قرن به التكذيب بقوله:فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [آل عمران: 106]، وفيما ذكر دفع الكتاب بالشمال ومن وراء الظهور، قال فيه:فَاسْلُكُوهُ } [الحاقة: 32-33]، وقال:وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } [الإنشقاق: 10] إلى قوله - عز وجل -:إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَىٰ... } الآية [الإنشقاق: 15] وقال - تعالى - عندما ذكر خفة الميزان:أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [المؤمنون: 105]، ولم يذكر عند ذكر شيء من هذه الأعلام غير المكذبين، فثبت أن الوعيد في المكذبين لا في غيرهم؛ لذلك لم يسع لنا أن نشرك أهل الكبائر مع أهل التكذيب في استيجاب العقاب، وقطع القول بالتخليد، بل وجب الوقف في حالهم والإرجاء في أمرهم.

السابقالتالي
2 3