الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } * { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } * { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } * { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } * { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ }

قوله - عز وجل -: { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } هذا ليس بابتداء خطاب، ولكنه جواب عن سؤال تقدم؛ فيشبه أن يكون السؤال عن وقت لقاء الأنفس الأعمال؛ فنزل قوله: { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } إشارة إلى أحوال ذلك الوقت وآثارها؛ على ما نذكر المعنى الذي له وقع لتبيين الأحوال دون تبيين الوقت في سورةإِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [الانفطار: 1].

واختلف في قوله - تعالى: { كُوِّرَتْ }:

قال بعضهم: هي فارسية، معربة، وهي بالعربية: غورت.

وقال بعضهم: { كُوِّرَتْ } ، أي: ذهب ضوءها؛ يقال: كور الليل على النهار، أي: أذهب نوره وضياءه؛ فالتكوير يغطي لون الشيء عن الأبصار، فقيل: كورت الشمس، أي: حبس ضوءها على الأبصار بالطمس؛ فيكون فيه إنباء أنه يطمس ظاهرها، ثم يرد التغيير في نفسها فتتلف وتتلاشى، ومنه يقال: كور العمامة؛ إذا لفها على رأسه فتغطيه.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ }: تناثرت وتساقطت، وهو كقوله:وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } [الانفطار: 2].

وقيل: ذهب ضوءها؛ فكأن ضوءها يذهب أولا، ثم تتناثر بعد ذلك.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } ، أي: قلعت عن أماكنها وسيرت، كما قال في آية أخرى:وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88]، وهي إذا قلعت تكثرت؛ حتى لا يتبين للناظر سيرها؛ لكثرتها؛ فيحسبها جامدة، وهي تسير، فهذا أول تغير يظهر منها، ثم تصير كثيبا مهيلا، ثم كالعهن المنفوش، ثم هباء منثورا إلى أن تتلاشى وتتلف.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } ، فالعشار هي النوق الحوامل التي أتى على حملها عشرة أشهر، وهي من أنفس الأموال عند أهلها؛ فيخبر أن أربابها يعطلونها في ذلك اليوم ولا يلتفتون إليها؛ لشغلهم بأنفسهم في ذلك، وهو كما قال:يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } [الحج: 2] إلى قوله:وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } الآية [الحج: 2].

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قيل: جمعت، وهو يحتمل وجهين:

أحدهما: أن تجمع كلها فتتلف وتهلك.

والثاني: أن تحشر مرات يحييها بعد موتها؛ فيضع الله تعالى فيها ما شاء؛ فيكون في هذا إخبار عن عظم هول ذلك اليوم؛ حتى يؤثر الهول في الوحوش، والشمس، والقمر، والسماوات.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } قيل: فجرت، وسنذكر تأويل التفجير فيما بعد، [إن شاء الله تعالى].

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قيل: قرنت.

ثم اختلف في معنى القرآن:

فقال بعضهم: قرن زوجها إليها.

وقال بعضهم: يقرن كل بأهل شيعته؛ فيقرن الكفرة بالشياطين، وأهل الشراب بأهل الشراب، وأهل الزنى بأهل الزنى، وقال [الله - عز وجل -:]وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }

السابقالتالي
2