الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ }.

قال أبو بكر الكيساني: عاتب الله رسوله وأصحابه في أخذ الأسارى بقوله: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ }.

وبالغ في العتاب في أخذ الفداء من الأسارى بقوله: { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ }.

وكذلك روي عن رسول الله " أنه لما استشار أصحابه في الأسارى، أشار أبو بكر إلى أخذ الفداء، وعمر إلى القتل، فقال: " لو نزل من السماء عذاب ما نجا إلا عمر " ".

عاتبهم بالأخذ أخذ الأسارى، واشتد العتاب في أخذ الفداء، وأمر بالقتل وضرب الرقاب بقوله:فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال: 12] إنما أمر بضرب الرقاب وضرب البنان، وكذلك يخرج قوله: { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ... } الآية [الأنفال: 68] على العتاب؛ إلى هذا يذهب أبو بكر الأصم.

وعن ابن عباس قال: لم يكن الأنبياء - صلوات الله عليهم - فيما مضى يكون لهم أسارى حتى يثخنوا في الأرض.

وعن سعيد بن جبير قال: لا يفادى أسارى المشركين، ولا يمن عليهم حتى يثخنوا بالقتل، ثم تلا:حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } الآية [محمد: 4]؛ إلى هذا ذهب هؤلاء.

وقوله: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ }.

يخرج تأويل الآية على وجهين:

أحدهما: يقول: ما كان لنبي أن يأخذ من الأسرى الفداء، { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: يغلب، حتى إذا أخذ الفداء وسرحهم بعد ما غلب في الأرض، يكون رجوعهم إلى غير منعة وشوكة، وإذا لم يغلب في الأرض، أي: حتى يصير الدين كله لله؛ كقوله:وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } الآية [البقرة: 193]، هذا كان لمن قبله، فرخص لرسوله ذلك.

وقيل في قوله: { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } بوجوه:

أحدها: ما قال أبو بكر الأصم: تأويله: لولا كتاب من الله سبق ألا يعذب المخطئين في عملهم على خلاف أمره، وإلا لمسكم العذاب فيما أخذتم من الأسارى والفداء منهم عذاب عظيم.

وقال آخرون: قوله: { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ }: أي: أحل الغنائم لهذه الأمة، وإلا لمسكم العذاب فيما أخذتم واستحللتم عذاب عظيم.

وقال بعضهم: لولا كتاب من الله سبق أنهم يتوبون عما عملوا من الأخذ وغيره، وأنه يتوب عليهم، وإلا لمسكم العذاب [بذلك وأمكن أن يكون] التأويل في غير هذا كان في قوله:فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال: 12] دلالة إباحة الأمر ورخصته؛ لأنه قال:فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } [الأنفال: 12] هو الإبانة من المفصل الذي تبان به الرءوس، وذلك قلما يمكن في القتال، ولا يقدر إبانه الرءوس في الحرب، إنما يمكن ذلك بعد ما أخذوا أو وقعوا في أيديهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6