الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

قال بعضهم: حسبك الله وحسبك من اتبعك من المؤمنين، أي: كفاك الله في العون والنصر لك، وكفاك المؤمنين - أيضاً - فيما ذكرنا.

وقال بعضهم: { حَسْبُكَ ٱللَّهُ }: نصر الله، وحسبك نصر المؤمنين، وهو على ما ذكر: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ }.

والأول أشبه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ }.

التحريض على القتال يكون بوجهين:

أحدهما: أن يعدهم من المنافع في الدنيا، ويطمع لهم ذلك، من نحو ما جاء من التنفيل: أن من فعل كذا فله كذا، أو يعدهم المنافع في الآخرة؛ كقوله:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ... } الآية [التوبة: 111]، وما ذكر من الثواب في الآخرة بالنفقة التي ينفقونها في سبيل الله؛ كقوله:هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } الآية [الصف: 10]، فما ذكرنا فيه وعد المنافع لهم في الدنيا والآخرة، ووعد النصر لهم.

والثاني: يكون التحريض بضرر يلحق أولئك، ونكبة تصل إليهم؛ كقوله:أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ... } الآية [التوبة: 13]، إلى قوله:قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } [التوبة: 14-15]، جمع الله - عز وجل - في هذه الآية جميع أنواع الخير الذي يكون في القتال مع العدو، من وعد النصر للمؤمنين عليهم، وإدخال السرور في صدورهم، ونفي الحزن عنهم، وتعذيب أولئك بأيديهم.

وفيه إغراء على العدو بقوله:أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } [التوبة: 13]، فذلك كله يحرض على القتال، ويرغبهم في الحرب مع العدو، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } الآية.

اختلف في معنى هذا:

قال بعضهم: قوله: { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ... } ، على الأمر، كأنه قال: ليكن منكم عشرون صابرون يغلبوا؛ أمر العشرة القيام للمائة؛ وقالوا: دليل أنه على الأمر قوله: { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } الآية، ولو لم يكن على الأمر والعزيمة، لم يكن لذكر التخفيف معنى.

وقال آخرون: هو على الوعد أنهم إذا صبروا وثبتوا لعدوهم غلبوا عدوهم؛ على ما أخبر:كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ... } الآية [البقرة: 249]، ليس على الأمر؛ لأنه قال: { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } ، أخبر أنهم إذا صبروا غلبوهم، وهو كذلك - والله أعلم - إذ ظاهره وعد وخبر.

والأشبه: أن يكون على الأمر، ليس على الخبر، على ما ذكرنا من قوله: { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ }.

السابقالتالي
2 3