الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } * { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } * { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ذكر هاهنا شر الدواب عند الله الذين لا يؤمنون وذكر] في آية أخرى: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } ، هم شر الدواب؛ حيث سمعوا الآيات والحق وعقلوها فلم يؤمنوا بها، أي: لم ينتفعوا بما عقلوا مما وقع في مسامعهم، ومما درسوا كمن لا سمع له ولا لسان، نفى عنهم ذلك؛ لما لم ينتفعوا بما عقلوا.

ويحتمل أن يكون في الآخرة، أي: يبعثون يوم القيامة صمّاً بكماً عمياً؛ لما لم ينتفعوا في الدنيا بهذه الحواس؛ كقوله:وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً... } الآية [الإسراء: 97].

وقوله: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ }.

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } هو كما ذكر في آية أخرى:أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179]، أخبر أن الذين كفروا وكذبوا بآياته أضل من الأنعام، وقد ذكرنا فائدة قوله:بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179] في موضعه.

ويحتمل قوله: { شَرَّ ٱلدَّوَابِّ } أي: شر من يدب على وجه الأرض من الممتحنين { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، ثم ليكونوا بهذا الوصف إذا ختموا بالكفر وترك الإيمان.

ثم اختلف فيه:

قال بعضهم: نزل في بني قريظة؛ حيث عاهدوا رسول الله، ثم أعانوا مشركي مكة على رسول الله بالسلاح وغيره، فأقالهم رسول الله، وكانوا يقولون: نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم ثانية، فنقضوا العهد، فذلك قوله: { ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ }: نقض العهد، أو لا يتقون الشرك.

وقال بعضهم: نزل قوله: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ... } إلى آخر الآية، في المردة والفراعنة من الكفار، كانوا عقلوا ما سمعوا ودرسوا، ولكن غيروه فلم يؤمنوا به؛ على هذا حمل أهل التأويل تأويل الآية إلى ما ذكرنا، وإلا صرف الآية إلى أهل النفاق أولى؛ لأنهم هم المعروفون بنقض العهد مرة بعد مرة.

وقوله - عز وجل -: { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ }.

قيل: تأمرنهم في الحرب.

وقيل: تلقينهم في الحرب.

وقيل: تجدنهم في الحرب.

{ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ }.

قيل: نكل بهم من بعدهم، أي: اصنع بهم ما ينكلون من خلفهم، أي: يمتنعون.

وقيل: فعظ بهم من خلفهم، أي: من سواهم.

الآية نزلت في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون، وكانت عادتهم نقض العهد، فأمر - عز وجل - رسوله أن ينكل هؤلاء؛ ليكون ذلك عبرة وزجراً لمن بعدهم إن لم يكن ذلك لهم زجراً، فيكون في تنكيل هؤلاء منفعة لغيرهم، إذا رأي غيرهم أنه فعل بهؤلاء ما ذكر يكون ذلك زجراً لهم عن مثل صنيعهم؛ ولهذا قال:وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ } [البقرة: 179]، من رأى أنه يقتل به امتنع عن قتل آخر، فيكون في ذلك حياة الخلق.

السابقالتالي
2 3 4 5