الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }.

قال بعضهم: الآية مقابلة قوله: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ }؛ يقول - والله أعلم -: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، أي: يقبض أرواح الذين كفروا كيف يقبضون أرواحهم، وكيف يضربون وجوههم وأدبارهم؛ كأنه قال - والله أعلم -: لو رأيت الحال التي تقبض فيها أرواحهم وما ينزل بهم، لرأيت أن ما عملوا من صد الناس عن سبيل الله، واستكبارهم على المؤمنين، وخروجهم لقتال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - إنما عملوا بأنفسهم، لا بالمؤمنين.

وقوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }.

يحتمل ما ذكر من فعل الملائكة يوم بدر؛ لأن الآية ذكرت في قصة بدر.

ويحتمل أن يكون ذلك كل كافر أن الملائكة يفعلون به ما ذكر؛ كقوله:وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ... } [الأنعام: 93] الآية، هذا في كل كافر.

وقوله: { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }.

ليس على إرادة حقيقة الوجه والدبر، ولكن على إرادة إيصال الألم إليهم بكل ضرب وبكل جهة؛ كقوله:لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر: 16]، ليس على إرادة التحت والفوق، ولكن على إرادة إحاطة العذاب بهم؛ فعلى ذلك الأول.

وقال بعضهم: يضربون وجوههم في [حال] إقبالهم [على] المؤمنين، وإدبارهم وانهزامهم منهم.

وقوله - عز وجل -: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }.

ذكر تقديم اليد، وإن كان الكفر من عمل القلب؛ لما باليد يقدم في العرف.

وقوله: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }.

في الآية دلالة الرد على المجبرة؛ لأنهم لا يجعلون للعبيد في أفعالهم صنعاً، يجعلون حقيقة الأفعال لله، وذكر { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } ، فلو لم يكن لهم صنع، لم يكن لقوله: { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } معنى، وكذلك قوله: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } ، فلو لم يكن لهم حقيقة الفعل، لكان التعذيب ظلماً، دل أن لهم فعلا، والله أعلم.

قوله: { لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }.

فيما شرع من القتال، والإهلاك، والتعذيب في الآخرة؛ لأنه مكن لهم ما يكسبون به النجاة والحياة الدائمة، فما لحقهم مما ذكر؛ إنما كان باكتسابهم واختيارهم.

وقوله - عز وجل -: { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ }.

قال بعضهم: صنيع هؤلاء، أي: صنيع أهل مكة بمحمد كصنيع فرعون وقومه بموسى [يعني] في التكذيب والكفر بآياته.

وقال قائلون: صنع الله بأهل مكة من العقوبة كصنيعه بفرعون وآله ومن سبق من الأمم من الإهلاك والتعذيب، وقد فعل بأهل مكة يوم بدر بسوء معاملتهم رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، كما فعل ذلك بفرعون وآله بسوء معاملتهم موسى.

السابقالتالي
2 3