الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ }.

قال بعضهم: زين لهم الشيطان أعمالهم بالوساوس، وقال: { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، وإنما قال لهم هذا ووسوس لهم لما ألقى إليهم: إنكم أهل حرم الله وسكان بيته وحفاظه، فيقول: يدفع عنكم نكبة هؤلاء، يعني: أصحاب محمد؛ كما دفع عنكم فيما كان من قبل.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ }.

قيل: مجير لكم: مغيث؛ فعلى هذا التأويل كان قوله: { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ }؛ كأنه يخبر عن الله أنه يغيثهم كما أغاثهم من قبل في غير مرة.

وقال بعضهم: إن الشيطان تمثل في صورة رجل يقال له سراقة بن مالك بن جعشم، فأتاهم فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم؛ فإنكم كثير وعدوكم قليل فتأمن عيركم ونحو هذا من الكلام.

وقال صاحب التأويل الأول: لا يحتمل هذا؛ لأن أهل مكة كانوا جبابرة، وأهل قوة وبطش وبأس، فلا يحتمل أن يصدروا عن آراء رجل هو دونهم وهم بالوصف الذي ذكرنا.

وعلى هذا التأويل أنه تمثل به فلان يكون قوله: { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } ما ذكر في بعض القصة أن أبا جهل وأصحابه اعتزلوا واستشاروا فيما بينهم، فأتاهم إبليس متمثلا بسراقة، فامتنعوا عنه واستأخروا، فلما رأى ذلك منهم، فقال: إني جار لكم وكان جاراً لهم؛ فتأويل هؤلاء أشبه بما ذكر في آخر الآية.

وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } ، أي: رجع مستأخراً مقبلا بوجهه إليهم فقال: { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }: إذا عاقب.

قيل: رأى جبريل مع الملائكة ينزلون، فخاف منهم؛ ففيه دلالة أنه كان يخاف الهلاك قبل يوم الوقت المعلوم.

وقوله - عز وجل -: { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }.

قال بعضهم: الذين في قلوبهم مرض هم المشركون { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ }.

وعن الحسن: { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ، قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر؛ فسموا منافقين.

وقال بعض أهل التأويل: إن قوماً كانوا أسلموا بمكة، فأقاموا بها مع المشركين، ولم يهاجروا إلى المدينة، فلما خرج كفار مكة إلى بدر خرج هؤلاء معهم، فلما عاينوا قلة المؤمنين وضعفهم، شكوا في دينهم وارتابوا فقالوا: { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ } ، يعنون: أصحاب محمد.

يقول الله: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } فيثق بوعده في النصر ببدر؛ لقولهم: { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ } ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ }: لا يعجزه شيء.

وقوله: { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ }؛ لأنه لم يكن معهم عدة ولا أسباب الحرب من السلاح وغيره، فلم يكونوا يقاتلون إلا بقوة دينهم.

وقوله: { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ }.

السابقالتالي
2