الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قوله - عز وجل -: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ }.

قال عامة أهل التأويل: إن الغنيمة: هي التي أصاب المسلمون من أموال المشركين بالقتال عنوة، والفيء: ما يعطون بأيديهم صلحاً.

والغنيمة يأخذ الإمام الخمس منها، والباقي يقسم بينهم، والفيء يأخذه الإمام فيضعه في مصلحة المسلمين، وليس فيه الخمس.

وقال بعضهم: الغنيمة والفيء واحد.

ثم قوله: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ... } إلى آخر ما ذكر، ذكر الخمس، ولم يذكر الأربعة أخماس أنها لمن، لكنها للمقاتلة بقوله: { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً } ، فكانت الغنيمة كلها لمن غنمها بظاهر هذه الآية، إلا ما استثنى الله منها بالآية الأولى، وهو الخمس، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم، وعلى ذلك تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته موقوفة من بعده.

" روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المال - يعني الغنيمة - فقال: " لي خمسة، وأربعة أخماسه لهؤلاء " " يعني: المسلمين.

وروي أنه قسمها بين المقاتلة، يعني: الأربعة الأخماس.

وفي بعض الأخبار " أن أبا الدرداء وعبادة بن الصامت والحارث بن معاوية كانوا جلوساً، فقال أبو الدرداء: أيكم يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث صلى إلى بعير من المغنم، فلما انصرف فتناول من وبر البعير، فقال: " ما يحل لي من غنائمكم ما يزن هذه إلا الخمس، ثم هو مردود فيكم " ".

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كانت الغنائم تجزأ خمسة أجزاء، ثم يسهم عليها، فما صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كانت الغنيمة تغتنم على خمسة أخماس؛ فأربعة منها لمن قاتل عليها.

وغير ذلك من الأخبار، وعلى ذلك اتفاق الأئمة.

ومنهم من يقول: يقسم على ستة: سهم لله يجعل في ستر الكعبة، وسهم لرسوله ينتفع به.

ومنهم من قال: يقسم على خمسة: سهم لرسوله، وأربعة أخماسه لمن غنم.

ومنهم من يقول: يقسم على أربعة: سهم لرسوله، وثلاثة أرباعه لمن غنم.

ثم قوله: { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } تحتمل إضافة ذلك إلى نفسه وجهين:

أحدهما: لما جعل ذلك لإقامة العبادات وأنواع البر والخير والقرب التي هي لله، فأضيف إليه على ما أضيفت المساجد إليه بقوله:وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } [الجن: 18]، وإن كانت البقاع كلها لله، وكذلك ما سمى الكعبة: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله؛ لما جعلها لإقامة العبادات وأنواع القرب، فأضيف إلى الله ذلك؛ فعلى ذلك تحتمل إضافة ذلك السهم إلى الله؛ لما جعله لإقامة العبادات والقرب وأنواع البر، والله سبحانه أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد