الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قوله: { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ... } الآية.

ذكر نهاية سفههم، وغاية جرأتهم على الله، وبغضهم الحق، مع علمهم أن الله هو الإله، وأنه قادر على إنزال العذاب، وله السلطان على إمطار الحجارة بقولهم: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، فلم يبالوا هلاك أنفسهم؛ لشدة سفههم، وجرأتهم على الله، وبغضهم الحق، وذكر هذا - والله أعلم - ليعلم الناس ما لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء هؤلاء السفهاء إلى دين الله الذين لم يبالوا هلاك أنفسهم؛ لشدة بغضهم الحق، وجرأتهم على الله، وما يتحمل منهم من العظيم.

وقوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ }.

يحتمل قوله: { وَأَنتَ فِيهِمْ } أي: في جملة المؤمنين أنه لا يعذب أحداً في الدنيا ما دام هو فيهم، وما دام مؤمن فيهم بقوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، أي: يؤمنون، وهو كما ذكر أنه أرسله رحمة بقوله:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]، ومن رحمته ألا يعذب أحداً من أمته في الدنيا، إنما يؤخر ذلك إلى يوم التناد بقوله:إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ... } [إبراهيم: 42] وقوله:وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } [القمر: 46].

ويحتمل أن يكون قوله: { وَأَنتَ فِيهِمْ }: في أهل مكة خاصة أنه لا يعذبهم ما دام هو فيهم، وما دام فيهم أحد من المسلمين؛ من نحو النساء والذراري؛ كقوله:وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ... } الآية [الفتح: 25]، أي: لا نعذبهم وأنت يا محمد فيهم، أي: بين أظهرهم حتى نخرجك من بينهم، { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي: يصلون.

وقيل: يؤمنون؛ وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - ولكن يعذبهم تعذيب القتال والجهاد، ولا يعذبهم تعذيب استئصال على ما أهلك سائر الأمم.

ثم إن المعتزلة تعلقت بظاهر قوله - تعالى -: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، أي سيؤمنون؛ أي: لا يعذبهم ما دام يعلم أن فيهم أحداً يؤمن في آخر عمره، أو من قولهم ألا يجوز لله أن يهلك أحداً إذا كان في علمه أنه سيؤمن في آخر عمره؛ لقولهم في الأصلح: إن الله لا يفعل بخلقه إلا ما هو أصلح لهم في الدين؛ فعلى ذلك تأولوا ظاهر هذه الآية أنه لا يعذبهم وهم يستغفرون، أي: سيؤمنون.

لكن لو كان كما قالوا، لكان لا يجوز الجهاد معهم أبداً، ويسقط الأمر بالقتال؛ إذ لعل فيهم من يسلم، فإذا أمره بالجهاد والقتال معهم، دل أن ذلك ليس ما توهموا، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3