الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }.

أي: أطيعوا الله في أمره ونهيه، { وَرَسُولَهُ }: في بيانه، وفيما دعا إليه.

وقيل: أطيعوا الله في فرائضه، ورسوله في سننه وآدابه.

{ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }: آياته وحججه.

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي: لا تكونوا في الإيمان والتوحيد والآيات.

{ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا } [بذلك { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي: لا يجيبون، ولا يسمعون، ولا يؤمنون].

ويحتمل أن يكون: { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا }: الآيات والحجج، { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي: لا ينتفعون بسماعهم، أو لا يعقلون كالدواب وغيرها.

قال أبو بكر الأصم: قوله: { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } استثقالا، وبغضاً؛ أي: لا يستمعون إليه؛ لأن من استثقل شيئاً وأبغضه لم يستمع إليه؛ كقوله:لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26].

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }.

تأويله - والله أعلم -: أن الذي هو [من] شر الدواب عند الله هو الأصم الذي لا ينتفع بسمعه، والأبكم الذي لا ينتفع بلسانه ونطقه؛ لأنهم لم ينتفعوا بسمعهم لما جعل له السمع، ولم ينتفعوا بنطقهم لما جعل له النطق، ولم ينتفعوا بعقلهم لما جعل له العقل، فهم شر الدواب؛ كقوله:أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179] وأشر؛ لأن الدواب والأنعام انتفعت بهذه الحواس لما جعلت لها هذه الحواس، عرفت بهذه الحواس المهالك والمضار فتوقت عنها، وعرفت الملاذ والمنافع بها فترغب فيها وتقع، فانتفعت الدواب بالحواس التي جعلت لها لما جعلت، ولم يجعل لها هذه الحواس إلا للمقدار الذي عرفت وفهمت وانتفعت، وهؤلاء الكفرة لم ينتفعوا بالحواس التي جعلت لهم لما جعلت له ذلك؛ ليعرفوا النافع لهم والملاذ في العاقبة كذلك ويعرفوا الضار لهم في العاقبة والمهلك فيتوقوا عنه، فلم ينتفعوا بحواسهم لما جعلت الحواس، والدواب انتفعت بها؛ لذلك كانوا أضل وأشر [منها].

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ } الذين اكتسبوا الصمم الدائم والعمى الدائم، وذلك في الآخرة؛ كقوله:وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [الإسراء: 97]، وقوله:ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]، أي: تركوا اكتساب البصر الدائم، والسمع الدائم، [و] الحياة الدائمة والباقية، سماهم صمّاً وبكماً وعمياً؛ لما لم يكتسبوا بصر القلب، ونطق القلب، وسمع القلب؛ فهذه هي الحواس التي تكون بالاكتساب، ولم يكتسبوها، إنما لهم الحواس الظاهرة.

أو يقول: شر الدواب التي لم ينتفعوا بالذي ذكر من الحواس، وتركوا استعمالها، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ }.

قيل: نزلت الآية في المردة من الكفرة.

السابقالتالي
2