الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

قوله - تعالى -: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ }.

اختلف فيه؛ قال بعضهم: الأنفال: هي المغانم التي يغنمها المسلمون من أهل الحرب.

وقال بعضهم: الأنفال: هي الفضول عن حقوق أصحاب الغنائم.

فإن كانت الأنفال الغنائم، فالسؤال يحتمل وجهين:

يحتمل أنهم سألوا عن حلها وحرمتها؛ لأن الغنائم كانت لا تحل في الابتداء.

قيل: إنهم كانوا يغنمونها ويجمعونها في موضع، فجاءت نار فحرقتها، فسألوا عن حلها وحرمتها، فقال: { ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } ، أي: الحكم فيها لله [والرسول] يجعلها لمن يشاء.

ويحتمل السؤال [عنها: عن قسمتها]، وهو ما روي في بعض القصة أن الناس كانوا يوم بدر ثلاثة أثلاث: ثلث في نحر العدو، وثلث خلفهم ردء لهم، وثلث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسونه، فلما فتح الله عليهم اختلفوا في الغنائم؛ فقال الذين كانوا في نحر العدو: نحن أحق بالغنائم، نحن ولينا القتال. وقال الذين كانوا ردءاً لهم: لستم بأولى [بها] منا، وكنا لكم ردءاً.

وقال الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منا، كنا نحن حرساً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا فيها إلى رسول الله، فنزل: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ }.

وقال أبو أمامة الباهلي: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، قال: فينا نزلت معشر أصحاب بدر حين اختلفنا وساءت فيه أخلاقنا، إذ انتزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسوله، فقسمه على السواء.

ومجاهد وعكرمة قالا: كانت الأنفال لله والرسول فنسخها:وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 41].

وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: الأنفال: المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، ليس لأحد فيها شيء، ما أصابت سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول، فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها، فقال: { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } ، ليس لكم فيها شيء.

ويحتمل أن تكون الأنفال هي فضول المغانم؛ على ما قال بعضهم؛ نحو ما روي في الأخبار أن منهم من أخذ كبة فقال: اجعلها لي يا رسول الله، وأخذ الآخر سيقاً وقال: اجعله لي، ونحو ذلك كانوا يسألون رسول الله ذلك، فقال: { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ }.

ويحتمل أن يكون سؤالهم عن التنفيل: أن ينفلهم الرسول بعد ما وقع في أيديهم، أو بعد ما انهزم الكفار وأدبر العدو، وإنما يجوز للإمام التنفيل في حال إقبال الحرب، وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: النفل ما لم يلتق الزحفان أو الصفان، فإذا التقيا فهو مغنم.

السابقالتالي
2 3