قوله - عز وجل -: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } ، اختلف في تأويله: فمنهم من حمل ذلك كله على الملائكة، فقال: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } هم الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفرة، ويغرقون إغراقا؛ أي: يشددون في النزع كما يغرق النازع في القوس، أو يشتد عليه شدة الأمر على الغريق، أو تنزع أرواح الكفرة فتغرق في النار. قوله - عز وجل -: { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } ، قيل: أي: ينشط أرواح الكفرة نشطا عنيفا، أي: تنزع ملائكة العذاب أرواح الكفرة من أجوافهم نزعا شديدا. وقيل: هذا في حق المؤمنين أن الملائكة تنشط أرواح المؤمنين؛ أي: تحلها حلا رقيقا، كما ينشط من العقال؛ فيخبر بهذا عن خفة ذلك على المؤمنين، ويخبر بالأول عن شدته على الكافر. وقوله - عز وجل -: { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } قيل: إن الملائكة يسلون أرواح الصالحين سلا رقيقا. وقيل: الملائكة يسبحون بين السماء والأرض. قوله - عز وجل -: { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } ، أي: تسبق الملائكة إلى أرواح المؤمنين. وقيل: { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } الملائكة الذين يسبقون بالوحي إلى الأنبياء، عليهم السلام. وقيل: هم الكَرُوبِيُّون، الذين لا يفترون عن تسبيح رب العالمين. وقوله - عز وجل -: { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً }: هم الملائكة الموكلون بأمور الخلائق وأرزاقهم. ومنهم: من صرف تأويل الآيات إلى النجوم: أنهن النجوم اللاتي يطلعن من مطالعهن لحوائج الخلق، ولأمور جعلت لها، ويغربن في مغاربهن، ثم ينشطن إلى مطالعهن، فيطلعن منها؛ أي: لا يطلعن كرها؛ بل ناشطات لأمر الله - تعالى - إلى ما سخرن له. { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً }: النجوم أيضا، وسبحهن: دورانهن في الأفق لأمور، خفي ذلك على الخلق؛ لقوله:{ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء: 33]. وقوله: { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } أي: يسبق بعضها بعضا، أو تسبقن الشياطين بالرجم والطرد، لا تدعهن يقربون إلى السماء، وبه قال الحسن، والله أعلم. ومنهم: من صرف تأويل الآيات إلى مختلف الأشياء، فقال: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } هي القسي ينزعها الإنسان، فيغرق في نزعها، { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } هي الأَوْهاق تنشط بها الدابة تكون منه في جهة. { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً }: هي السفن. { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً }: هن الخيل. { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً }: هي الملائكة، وبه قال عطاء. ومنهم: من صرفها إلى أنفس المؤمنين وأرواحهم، فقال: { وَٱلنَّازِعَاتِ }: هي الأنفس التي تغرق في الصدر، { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } حين تنشط من القدمين. وقيل: إن أنفس المؤمنين ينشطن إلى الخروج عن الأبدان إذا عاينوا ما أعد لهم في الجنة. { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً }: هي أرواح المؤمنين، سميت: سابحات؛ لسهولة الأمر عليها، كما يسهل الخروج من الماء لمن يعلم السباحة. وقوله: { فَٱلسَّابِقَاتِ } - أيضا -: هي أرواح المؤمنين، سميت: سابقات؛ لما تكاد تسبق فتخرج قبل وقتها؛ لما تعاين من كرامات الله تعالى وما ينتشر من الخير؛ يؤيد هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: