الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

قوله - عز وجل -: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } قال: الطامة: هي الصيحة، سميت: طامة؛ لأنها تطم الأشياء وتعمها، وسميت: كبرى؛ لأنها إن طمت بالعذاب فهو يدوم ولا ينقطع، وإن أحاطت بالثواب والكرامة فهو يدوم ولا ينقطع؛ فسميت: كبرى؛ لدوامها.

وقوله - تعالى -: { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ }: ما عمل، وتذكره يكون بوجهين:

أحدهما: بقراءته كتابه؛ [كقوله تعالى]:ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [الإسراء: 14] والتذكر الثاني يكون بالجزاء.

فالتذكر الأول يكون باللطف من الله تعالى، وإلا فالمرء قد يكتب أشياء، ثم ينساها إذا طالت المدة، ولا يتذكر بالقراءة، ففيما لم يتول كتابته أحق ألا يتذكر، لكن الله - تعالى - بلطفه يذكره بالقراءة؛ فيعرف به صدق ما كتبته الملائكة، ويعرف أنه إذا عوقب، عوقب جزاء ما كسبته يداه، ويكون الجزاء أبلغ في التذكير؛ فيتذكر في ذلك الوقت، أيضا.

وقوله - عز وجل -: { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } وقرئ { لمن ترى } فتضيف الرؤية إلى الجحيم؛ كقوله:إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [الفرقان: 12].

وقوله - عز وجل -: { لِمَن يَرَىٰ } جائز أن تكون الرؤية كناية عن الحضور والدخول؛ فيكون قوله: { لِمَن يَرَىٰ } أي: لمن يدخلها ويحضرها، وهو كقوله:إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 56]، ومعناه: أن رحمة الله للمحسنين، وقال تعالى:وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [الأعراف: 19]، وأريد بالقرب: التناول؛ فكنى عنه بالقرب؛ فجائز أن تكون الرؤية هاهنا كناية عن الدخول والحضور؛ فيكون فيه إخبار عن إحاطة العذاب بجميع أبدانهم.

وجائز أن يكون أهل الرؤية هم أهل الجنة، فيرونها مشاهدة؛ فيتلذذون بذلك لما نجوا وفازوا بالنعيم، كما تألموا بذكرها عندما كانت غائبة لا يرونها؛ قال الله تعالى:وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [المؤمنون: 60]، وقالوا:إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا... } الآية [الطور: 26-27].

وقوله - عز وجل -: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } ، أي: عصى، وتمرد.

أو طغى بأنعم الله - تعالى - فاستعملها في معاصيه، أو جاوز حدود الله.

وقوله - عز وجل -: { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } جائز أن يكون إيثاره أن يبتغي بمحاسنه الحياة الدنيا حتى أنساه ذلك عن الآخرة، وإذا ابتغى بها الحياة الدنيا، لم يبق له في الآخرة نصيب؛ لأنه قد وفي له عمله؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -:مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } [هود: 15].

وقوله - عز وجل -: { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } ، أي: يأوي إليها.

وقوله - تعالى -: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ }:

جائز أن يكون أريد بالمقام حساب ربه أو مقامه عند ربه، فأضيف إلى الله تعالى؛ لأن البعث مضاف إليه، فكل أحواله أضيف إليه أيضا.

السابقالتالي
2