الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } * { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } * { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } * { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } * { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } * { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } * { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } * { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

قوله - عز وجل -: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ }: منهم من يقول: قد أتاك فخوفهم به.

وقال الحسن: لم يكن أتاه، فأتاه بهذا؛ كما يقول الرجل لآخر: هل أتاك ما فعل فلان؟ وهو يريد أن يذكره بهذا فيعلمه مع علمه أنه لم يكن علمه من قبل.

وقد ذكرنا ما في ذكر الأنباء من الفوائد من تثبيت الرسالة والتخويف لمن أساء صحبة الرسل - عليهم السلام - لئلا ينزل بهم ما نزل بفرعون وأتباعه حين أساءوا صحبة الرسول موسى، عليه السلام.

وقوله - عز وجل -: { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } قيل: طوى: اسم ذلك الوادي.

وقيل: سمي: طوى؛ لأنه بورك مرتين، مرة حين أتاه إبراهيم عليه السلام، ومرة بإتيان موسى عليه السلام.

وذكر عن الزجاج أن { طِوى } بكسر الطاء الذي بورك مرتين، ثم أضاف ذلك الحديث مرة إلى موسى ومرة إلى نفسه إذ ناداه؛ فظاهره: أن الله - تعالى - هو الذي كلمه، فأضيف إلى الله تعالى؛ لأن أصله من الله - تعالى - كما ذكرنا في قوله - تعالى -:حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [التوبة: 6]، وفي قوله:إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [الحاقة: 40].

وقوله - عز وجل -: { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } أي: عتا وطغى في نعمه، فاستعملها في كفران نعمه؛ فلم يشكر الله - تعالى - بها.

وقوله - عز وجل -: { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } ، أي: هل لك في إجابة من إذا أجبت تزكيت، أو هل لك رغبة إلى ما تزكو به نفسك وتنمو.

ثم في هذه الآية دلالة أن من أراد أن يدعو آخر إلى ما فيه رشده وصلاحه، فالواجب عليه أن يدعوه أولا بالرفق واللين؛ كما أمر موسى وهارون - عليهما السلام - بقوله:فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } [طه: 44]، وبقوله: { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } ثم إذا ترك الإجابة ختم كلامه بالتعنيف؛ كما فعل موسى - عليه السلام - بقوله:وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } [الإسراء: 102] بعد قوله:لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الإسراء: 102].

وقوله - عز وجل -: { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } ، أي: أهديك إلى ربك فتهتدي، ثم تخشاه إذا اهتديت؛ أي: عرفت عظمته وجلاله؛ فتخشى عقوبته؛ فيكون العلم مثمرا للخشية؛ ألا ترى إلى قوله:إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28]. أو أهديك إلى طاعة ربك، وأنذرك عقابه إذا عصيته؛ فتخشى؛ فلا تعصيه.

وقوله - عز وجل -: { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ }: منهم من ذكر أن الآية الكبرى هي اليد؛ سميت: كبرى؛ لأن سحرهم عمل في الحبال والعصي، ولم يعمل في اليد؛ فكانت هذه الآية خارجة عن نوع سحرهم، فسميت: كبرى؛ لهذا المعنى.

السابقالتالي
2 3 4