الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } * { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } * { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } * { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } * { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } * { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } * { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } * { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } * { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } * { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } * { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } * { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } ، اختلف في تأويله:

فمنهم من حمل ذلك كله على الملائكة، فقال: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } هم الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفرة، ويغرقون إغراقا؛ أي: يشددون في النزع كما يغرق النازع في القوس، أو يشتد عليه شدة الأمر على الغريق، أو تنزع أرواح الكفرة فتغرق في النار.

قوله - عز وجل -: { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } ، قيل: أي: ينشط أرواح الكفرة نشطا عنيفا، أي: تنزع ملائكة العذاب أرواح الكفرة من أجوافهم نزعا شديدا.

وقيل: هذا في حق المؤمنين أن الملائكة تنشط أرواح المؤمنين؛ أي: تحلها حلا رقيقا، كما ينشط من العقال؛ فيخبر بهذا عن خفة ذلك على المؤمنين، ويخبر بالأول عن شدته على الكافر.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } قيل: إن الملائكة يسلون أرواح الصالحين سلا رقيقا.

وقيل: الملائكة يسبحون بين السماء والأرض.

قوله - عز وجل -: { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } ، أي: تسبق الملائكة إلى أرواح المؤمنين.

وقيل: { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } الملائكة الذين يسبقون بالوحي إلى الأنبياء، عليهم السلام.

وقيل: هم الكَرُوبِيُّون، الذين لا يفترون عن تسبيح رب العالمين.

وقوله - عز وجل -: { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً }: هم الملائكة الموكلون بأمور الخلائق وأرزاقهم.

ومنهم: من صرف تأويل الآيات إلى النجوم: أنهن النجوم اللاتي يطلعن من مطالعهن لحوائج الخلق، ولأمور جعلت لها، ويغربن في مغاربهن، ثم ينشطن إلى مطالعهن، فيطلعن منها؛ أي: لا يطلعن كرها؛ بل ناشطات لأمر الله - تعالى - إلى ما سخرن له.

{ وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً }: النجوم أيضا، وسبحهن: دورانهن في الأفق لأمور، خفي ذلك على الخلق؛ لقوله:كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء: 33].

وقوله: { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } أي: يسبق بعضها بعضا، أو تسبقن الشياطين بالرجم والطرد، لا تدعهن يقربون إلى السماء، وبه قال الحسن، والله أعلم.

ومنهم: من صرف تأويل الآيات إلى مختلف الأشياء، فقال: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } هي القسي ينزعها الإنسان، فيغرق في نزعها، { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } هي الأَوْهاق تنشط بها الدابة تكون منه في جهة.

{ وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً }: هي السفن.

{ فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً }: هن الخيل.

{ فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً }: هي الملائكة، وبه قال عطاء.

ومنهم: من صرفها إلى أنفس المؤمنين وأرواحهم، فقال: { وَٱلنَّازِعَاتِ }: هي الأنفس التي تغرق في الصدر، { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } حين تنشط من القدمين.

وقيل: إن أنفس المؤمنين ينشطن إلى الخروج عن الأبدان إذا عاينوا ما أعد لهم في الجنة.

{ وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً }: هي أرواح المؤمنين، سميت: سابحات؛ لسهولة الأمر عليها، كما يسهل الخروج من الماء لمن يعلم السباحة.

وقوله: { فَٱلسَّابِقَاتِ } - أيضا -: هي أرواح المؤمنين، سميت: سابقات؛ لما تكاد تسبق فتخرج قبل وقتها؛ لما تعاين من كرامات الله تعالى وما ينتشر من الخير؛ يؤيد هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

السابقالتالي
2 3