الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } * { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } * { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } ، أي: مفازا عن أنواع العذاب التي ذكرت في الطاغين.

وقوله - عز وجل -: { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } ، فالحدائق هي الأماكن التي أحاطت الأشجار بأطرافها.

وقوله - عز وجل -: { وَأَعْنَاباً } ظاهر، وقد ذكرنا أنهم وعدوا في الآخرة بكل ما يقع لهم الرغبة في الدنيا.

ثم الأصل أن هذه السورة نزلت على إثر التساؤل بقوله تعالى:عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [النبأ: 1-2]، فجائز أن يكون الذي حملهم على السؤال ما اعترض لهم من الشبه، أو خطر ببالهم، فسألوا؛ ليبين لهم، وتزول عنهم الشبه، فذكرهم عظم نعمه وعجائب تدبيره وقوته وسلطانه، ووعد أن من أمعن النظر فيها دلهم ذلك على بعثهم وإزاحة الإشكال عنهم بقوله:كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [النبأ: 4-5]، وبين مآب من استقام على الصراط المستقيم، وسلك سبيله، وأخبر أن من لم ينعم النظر فيها، ولم يعط النصفة من نفسه وضيعها، فمصيره إلى ما ذكر من قوله:إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِّلطَّاغِينَ مَآباً } [النبأ: 21-22]، وسيعلم ذلك بقوله:كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [النبأ: 4] إن حمل هذا على الوعيد.

وقوله - عز وجل -: { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } قيل: الكاعب: هي التي تكعب ثدياها، وذلك حين تبلغ أن تحيض، وهي ناهد، وهي أشهى ما يكون إلى الرجال.

والأتراب المستويات في السن؛ ففي هذا إنباء أنهن يكن أبدا على سن واحد، لا يتغيرن عن تلك الحال، ولا يهرمن.

وقوله - عز وجل -: { وَكَأْساً دِهَاقاً } ، قيل: ملآنا.

وقيل: صافيا.

وقيل: متتابعا.

فوصفه بالملآن؛ ليعلم أن ذلك الشراب لا ينقص ما داموا يشربون؛ خلافا لما عليه شراب أهل الدنيا.

ومن حمله على الصفاء، فمعناه: أنه صاف عن الآفات والمكروه التي تكون في شراب أهل الدنيا من التصديع وإذهاب العقل، وغير ذلك.

ومن حمله على التتابع، فمعناه: أن ذلك الشراب لا ينقطع، ولا ينفد ما داموا في شربه، بل يتتابع عليهم، ولا يحدث فيهم حال تمنعهم عن الشرب من السكر وغيره؛ فيمتنعوا عن شربه؛ خلافا لشرب أهل الدنيا.

وروي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: " كنا إذا استحثثنا الساقي في الجاهلية، قلنا: داهق لنا " ، أي: تابع لنا.

وقوله - عز وجل -: { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } ، أي: لا يسمعون فيها ما يحق أن يلغى، بل يسمعون فيها كل خير، والذي يحق أن يلغى ما ذكروا من الحلف والباطل والكذب؛ فلا يسمعون شيئا من ذلك كما يسمع من أهلها في الدنيا إذا شربوها.

وقوله - عز وجل -: { كِذَّاباً } إن قرئ بالتخفيف فهو من الكذب؛ أي: لا يكذبون.

السابقالتالي
2 3 4