الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً }:

فمنهم من ذكر أن الكافور شيء أعده الله تعالى لأهل كرامته، لم يطلع عباده على ذلك في الدنيا.

ومنهم من ذكر أن الكافور شيء جرى ذكره في الكتب المتقدمة، فذكر كذلك في القرآن.

ومنهم من قال: إنه عين من عيون الجنة.

ومنهم من صرفه إلى الكافور المعروف.

لكن قيل: إنه كناية عن طيب الشراب.

وقيل: إنه كناية عن برودة الشراب؛ لأنه ذكر أن ذلك الشراب في طبعه كالكافور؛ لأن ألذ الشراب عند الناس البارد منه، لا أن يكون في نفسه باردا.

وذكروا أن الكأس لا تسمى: كأسا حتى يكون فيها خمر.

وقوله - عز وجل -: { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ }.

ومعناه: منها، لا أن يقع شربهم بها.

وسميت العين: عينا؛ لوقوع العين عليها.

وقوله - عز وجل -: { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً }:

فيه إخبار أن ماء العيون جارية يفجرونها من حيث شاءوا.

ثم المراد من ذكر العباد هاهنا هم الذين أطاعوا الله - تعالى - وقاموا بوفاء ما عليهم، وهم الذين قال الله تعالى:إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [الحجر: 42].

وقوله - عز وجل -: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ }:

النذر هو العهد؛ فجائز أن يكون أراد به الوفاء بكل ما أوجب الله تعالى من الفرائض والحقوق؛ فتكون فرائضه عهده؛ كقوله - عز وجل -:وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } [البقرة: 40].

وجائز أن يكون أراد بالنذر ما أوجبوا على أنفسهم من القرب سوى ما أوجبها الله تعالى عليهم؛ فيكون فيه إخبار أنهم قاموا بأداء الفرائض، وتقربوا إلى الله تعالى مع ذلك بقرب أخر؛ فاستوجبوا المدح بوفائهم بما أوجبوا على أنفسهم.

وقال:ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } [الحديد: 27]، فلحقهم الذم؛ لما لم يقوموا برعاية حقه، ليس بإيجابهم على أنفسهم ما لم يوجبه الله تعالى عليهم.

وقوله - عز وجل -: { وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } قيل: استطار شر ذلك اليوم، فملأ السماوات والأرضين وكل شيء؛ حتى انشقت السماوات، وتناثرت النجوم، وبست الجبال.

ومعناه: أن هول ذلك اليوم قد عم وفشا في أهل السماوات والأرض؛ حتى خافوا على أنفسهم.

وقيل: سمي: مستطيرا، أي: طويلا، ويقال: استطار الرجل؛ إذا اشتد غضبه، واستطار الأمر؛ أي: اشتد؛ فسمي؛ مستطيرا، أي: شديدا.

وقوله - عز وجل -: { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }:

فالحب يتوجه إلى معانٍ: يتوجه إلى الإيثار مرة، وإلى ميل النفس وركون القلب أخرى، ومرة يعبر به عن الشهوة، فالمراد من الحب هاهنا: الشهوة؛ فيكون قوله - عز وجل -: { عَلَىٰ حُبِّهِ } ، أي: على شهوتهم وحاجتهم إليه.

السابقالتالي
2 3 4 5