الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } * { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ }

قوله - عز وجل -: { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } فقوله: { كَلاَّ } ، يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون أريد به: حقا.

ويحتمل أن يكون على الردع والرد؛ أي: لا تفعل مثل هذا؛ فإنك ستندم في الوقت الذي قال: { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ }؛ كأنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت ندمه، فبين لهم ذلك بقوله تعالى: { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } ، والتراقي: هي عروق العنق، كأنه يقول: حين تزول النفس، أي: الروح عن مكانها، وتنتهي إلى التراقي.

وقوله - عز وجل -: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } جائز: أن يكون الملائكة هم الذين يقولون هذا، فيقول بعضهم: من يرقى بروحه: أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ مِنْ رقي يرقى، أي: صعد. أو: من يقبض روحه؟

ويحتمل أن يقول أهله: من الذي يرقيه رقية فيشفى؟ فيكون فيه إخبار عما حل به من الضعف والشدة؛ أنه يمتنع عن أن يقول: ادعوا لي راقيا لعلي أُشفَى؛ فيكون أهله هم الذين يقولون هذا فيما بينهم.

وقوله - عز وجل -: { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ }:

جائز أن يكون الظن على الإيقان هاهنا؛ لما وقع له اليأس من الحياة، وكذلك روي في قراءة ابن عباس - رضي الله عنه -: { وأيقن أنه الفراق }.

وجائز أن يكون على حقيقة الظن؛ لما لم يقع له الإياس من حياته بعد، فهو يأملها بعد.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ }:

اختلفوا في تأويله:

قيل: لفت ساقاه إحداهما على الأخرى؛ فلا يفترقان؛ كالتفاف الأشجار حتى لا يجد نفاذا فيها ولا هربا.

وقيل: إن ساقيه في القيامة لتضعف عن حمله؛ من شدة الفزع.

وقيل: أريد بالساق: الشدة، يقال: قامت الحرب على ساق؛ أي: على شدة؛ أي وصلت شدة الموت بشدة الآخرة، واجتمعت شدة الدنيا مع شدة الآخرة عليه؛ لأنه قد حل به سكرات الموت، ونزلت به شدائد الآخرة، وذلك آخر يومه من الدنيا وأول يومه من الآخرة.

وقيل: ما من ميت يموت إلا التفت ساقاه من شدة ما يقاسي من الموت.

وقال بعضهم: { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } ، معناه: أن الملائكة يجهزون روحه، وبني آدم يجهزون بدنه، فذلك التفاف الساق بالساق.

وقوله - عز وجل -: { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ }:

أي: إلى ما وعد ربك يومئذ يساق: إما إلى خير، وإما إلى شر.

وقوله - عز وجل -: { فَلاَ صَدَّقَ } ، أي: فلا صدق بما جاء من عند الله تعالى من الأخبار، ولا صدق رسوله صلى الله عليه وسلم.

{ وَلاَ صَلَّىٰ } يحتمل أن يكون أريد به نفس الصلاة، وذلك أن الصلاة حببت إلى الأنفس كلها حتى لا ترى أهل دين إلا وقد حببت الصلاة إليهم؛ فيكون في قوله: { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } إبانة سفهه وجهله.

السابقالتالي
2