الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } * { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } * { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } * { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } * { كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ }

قوله - عز وجل -: { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ }:

جائز أن يكون تأويله: ما لهم معرضين عن ذكر ما لهم، و [ما] عليهم، وعما إليه مآلهم ومنقلبهم؛ وذلك يكون في الرسول وفي القرآن؛ لأن كل واحد منهما يذكر للمرء ما له وعليه، والله أعلم.

وجائز أن يكون تأويله: فما لهم عما به يشرف قدرهم، ويصيرون به مذكورين في الملأ الأعلى - معرضين؛ وذلك يكون في طاعته، والإقبال على عبادته، وهو كقوله تعالى:لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [الأنبياء: 10] معناه: أنكم تصيرون به مذكورين، ويعظم قدركم لو اتبعتموه، ولم تضيعوا حرمته.

وقوله - عز وجل -: { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ }.

بنصب الفاء وخفضه.

فمن قرأ بخفض الفاء صرف الفعل إليها، كأنه يقول: حمر نافرة، ونفر واستنفر واحد؛ كما يقال: استرقد القوم، أي: رقدوا.

ومن قرأ بنصب الفاء، فتأويله: أنه فعل بها ما يحملها على النفار، وذلك يكون بالرمي وبالقانص من الأسد، كما ذكره أهل التفسير في تأويل القسورة هي الأسد، أو الرماة، أو الصيادون.

ويقال: هي النفرة، وكان هذا تشبيها بالحمر الوحشية التي في طبعها النفار.

ووجه التقريب هو أن هؤلاء أعرضوا عما في الإقبال عليه نجاتهم وتخلصهم من العطب، ونفروا كنفار الحمر المستنفرة من العطب والهلاك.

وفي هذه الآية تبين شدة سفههم وغاية جهلهم؛ لأن الحمر تنفر عن القانص والرامي والأسد؛ لتسلم من الهلاك والعطب، وهؤلاء الكفرة نفروا عما فيه نجاتهم إلى ما فيه هلاكهم وعطبهم؛ فهم أشر من الحمير وأضل.

وقوله - عز وجل -: { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً }.

قال بعض أهل التأويل: إن المشركين قالوا: يا محمد، بلغنا أن الرجل في بني إسرائيل كان إذا أذنب ذنبا، فيصبح، وجد صحيفة معلقة على باب داره أو مكتوبا عند رأسه: إنك أذنبت كذا.

وزاد بعضهم: إنك أذنبت كذا، وتوبتك كذا.

وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلهم كذلك؛ فأخبر الله تعالى ذلك عنهم، ثم آيسهم عن ذلك، فقال: { كَلاَّ } ، أي: لا تنالون ما تأملون.

وقال قتادة: قالوا: يا محمد، إنْ سَرَّك أن نتبعك فائت كل واحد منا بصحيفة خاصة: إلى فلان بن فلان، تأمرنا فيها باتباعك.

وقيل: سألوا أن يؤتوا ببراءة بغير عمل.

ولكن لا يجب قطع الأمر على واحد من هذه التأويلات، بل يقال بها على جهة الإمكان والاحتمال؛ لأن هؤلاء المفسرين لم يشاهدوا أولئك القوم الذين صدرت منهم هذه الإرادة؛ ليخبروهم ماذا أرادوا به؟ حتى يثبت ما ذكروا من القصة والأخبار، ولا تواترت الأخبار من عند ذي الحُجَّة النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم سألوه ذلك؛ لذلك لم يستقم قطع الأمر على ما ذكروا.

السابقالتالي
2 3