الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } * { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } * { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } * { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } * { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً }

قوله - عز وجل -: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } ، اختلف في السبب الذي كان به مجيء الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من ذكر أن إبليس صعد إلى السماء، فوجدها قد ملئت حرسا شديدا وشهبا؛ فتيقن أنه قد حدث في الأرض حادث، ففرق جنوده؛ ليعلم ذلك.

ومنهم من يقول بأن الأصنام خرت لوجوهها حين بعث [رسول الله] صلى الله عليه وسلم؛ فعلم إبليس أنه قد حدث في الأرض حادث حتى خرت له الأصنام، ففرق جنوده؛ ليصل إلى علم ذلك.

ثم من الناس من يزعم أن قصة هذه السورة وقصة قوله - عز وجل -:وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } [الأحقاف: 29] - واحدة.

وقال بعضهم بأن هؤلاء النفر الذين ذكروا في هذه السورة كانوا من مشركي الجن، والذين ذكروا في سورة الأحقاف كانوا من يهود الجن؛ دليله: أنه قال في هذه السورة فيما حكي عن الجن:وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } [الجن: 12]، واليهود يقرون بالبعث، ولا ينكرونه؛ فثبت أنهم كانوا من جنس المشركين، وقال في سورة الأحقاف:قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [الأحقاف: 30]؛ فثبت أنه قد كان عندهم علم بالكتاب [المنزل] على رسول الله [موسى] صلى الله عليه وسلم، وكانوا به مقرين، واليهود هم الذين يؤمنون بكتاب موسى - عليه السلام - لا غير.

ثم فيما حكى الله تعالى عن الجن من تصديقهم هذا الكتاب واستماعهم ما جرى من المخاطبات فيما بينهم - فوائد:

إحداها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الجن والإنس حتى صرف الجن إلى الاستماع إليه.

وفيه أنهم لما أخذوا القرآن من لسانه قاموا فيما بين القوم بإنذارهم، وأعانوه في التبليغ على ما أخبر - عز وجل -فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [الأحقاف: 29].

وفيه أن أولئك النفر تسارعوا إلى الإجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيكون فيه تسفيه قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نشأ بين أظهرهم؛ لأنهم عرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم [فيما بينهم] بالصيانة والعدالة، ولم يقفوا منه على كذب قط، وحق من يعرف بالصدق إن لم يصدق ألا يتسارع إلى تكذيبه فيما يأتي [به] من الأنباء، بل يوقف في حاله إلى أن يتبين منه ما يظهر كذبه، وقومه استقبلوه بالتكذيب، ولم يعاملوه معاملة من كان معروفا بالصدق والصيانة، والجن الذين صدقوه، لم يكونوا عارفين بأحواله فيما قبل أنه صدوق، أو ممن يرتاب في خبره، ثم تسارعوا إلى تصديقه؛ لما لاحت لهم الحجة وثبتت عندهم آية الرسالة وعاملوه معاملة من قد عرف بالصدق؛ فدل أنهم كانوا في غاية من السفه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10