الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } * { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } * { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } * { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } * { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } * { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } * { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } ، فيه إخبار عن دينه: أن دينه التوحيد، لا الإشراك بالله تعالى، وإخبار عما يدعو الخلق إليه، وذلك توحيد الله تعالى والقيام بطاعته.

وجائز أن يكون هذا على أثر سؤال منهم، ودعوتهم إلى عبادة الأصنام؛ على ما ذكر في الأخبار أنهم قالوا: إنا نعبد إلهك يوما، وتعبد آلهتنا يوما، وهو كقوله - عز وجل -:وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ... } الآية [غافر: 41-42].

وجائز أن يكون كلاما مبتدأ يؤيسهم، ويقنطهم، ويقطع طمعهم عن عوده إلى ما هم عليه.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً }:

أي: ضرّاً في الدين، ورشدا في الدين، والأصل في الأسماء المشتركة أن ينظر إلى مقابلها، فيظهر مرادها بما يقابلها؛ قال الله تعالى:وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } [الجن: 14]، والقاسط: الجائر، وقد يكون غير الكافر جائرا، ثم صرف الجور إلى الكفر؛ فظهر مراده بمقابله، وهو قولهوَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } [الجن: 14].

والضر قد يكون في الدين والمال والنفس، ولكنه لما ذكر قوله: { رَشَداً } ، والرشد يتكلم به في الدين، علم أن قوله: { ضَرّاً } راجع إليه أيضا، فكأنه يقول: لا أملك إضلالكم، ولا رشدكم؛ إنما ذلك إلى الله تعالى، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء.

والمعتزلة [تزعم أن] الله تعالى لا يملك رشد أحد ولا غيه، بل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ملكا منه؛ لأنه يملك أن يدعو الخلق إلى الهدى بنفسه، والله تعالى لا يملك ذلك إلا برسوله.

وقال - عز وجل -:لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [البقرة: 272]، وقال:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56]، ولو كان المراد من الهداية المضافة إلى الله تعالى الدعوة والبيان، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهديهم؛ لأنه داع ومبين؛ فثبت أن في الهداية من الله تعالى لطفا لا يبلغه تدبير البشر.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً }.

فكأنهم طلبوا منه ترك تبليغ الرسالة إلى قومٍ، أو كتمان شيء ما أمر بإظهاره، أو محاباة أحد من الأجلة، فأمر أن يخبرهم أنه لا يجيره أحد من الله تعالى، ولا يجد لنفسه ملجأ إن فعل ذلك، سوى أن [يبلغ رسالات ربه]؛ فيجيره من عذابه؛ ويكون له عنده ملجأ؛ إن فعل.

وقوله - عز وجل -: { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ }:

فمنهم من جعل قوله: { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ } استثناء من قوله: قل إني لا أملك لكم ضرّاً ولا رشدا إلا بلاغا من الله أي: إني لا أملك لكم هدايتكم ولا إضلالكم إلا ما كلفت لأجلكم من تبليغ الرسالة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6