الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } * { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } * { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } * { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } * { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً }

قوله - عز وجل -: { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } ، أي: عصوني فيما أمرتهم به أو فيما دعوتهم إليه.

وقوله - عز وجل -: { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً }:

يشبه أن يكون المتبوعون هم الذين كثرت أموالهم وحواشيهم، استتبعوا من دونهم فيتبعوهم ولم يتبعوا نوحا عليه السلام، وقد كان نوح - عليه السلام - يدعوهم إلى اتباعه، فأخبر أنهم لم يتبعوه، وإنما اتبعوا من كثرت أمواله وأولاده وحواشيه؛ فتكون هذه الآية في الأتباع أنهم اتبعوا أجلتهم ورؤساءهم ليس في رؤسائهم، وما تقدم من الآيات في أجلتهم من دعاء نوح - عليه السلام - إياهم إلى التوحيد وغيره.

ويحتمل أن تكون هذه الآية في الأجلة والضعفة جميعا؛ فيكون قوله تعالى: { وَٱتَّبَعُواْ } ، أي: اتبعوا من تقدمهم من أهل الثروة والغناء، والذين وسعت عليهم الدنيا، وبسطت لهم؛ ظنّاً منهم أنهم أحق بالله تعالى، وأقرب إليه في المنزلة.

والذي حملهم على هذا هو أنهم لا يرون أحدا في الشاهد يترك صلة وليه ويصل عدوه، فيرون أنه إذا بسطت على رؤسائهم الدنيا، [و] وسع الله تعالى عليهم، وضيق على هؤلاء - أن أولئك أقرب منزلة وأعلى حالا، وأنهم هم الأولياء، وهم لا يؤمنون بالآخرة وثوابها، فكانوا يزعمون أنه يوفر الجزاء على الأولياء والمحسنين في الدنيا، وزعموا أن من وسع عليه الدنيا فهو أحق أن يكون وليا لله تعالى حيث وصل إليه الجزاء فيها، فهذا الظن هو الذي حملهم على الاتباع.

وقوله - عز وجل -: { إِلاَّ خَسَاراً } ، أي: بوارا وهلاكا لذلك المتبوع، فكانت تلك النعم التي ظنوا أنهم أكرموا بها بصنيعهم سببا لخسارهم.

ثم قوله تعالى: { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } كقوله:وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا } [التوبة: 85]، ثم قد بينا تأويل شكايته إلى الله تعالى من قومه، فهذه الآية وتلك الآيات في معنى تأويل الشكاية إلى الله تعالى - واحد.

وقوله - عز وجل -: { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً }.

قال بعضهم: إنهم كانوا يمكرون ما يمكرون بألسنتهم؛ حيث كانوا يدعونهم إلى الكفر والصد عن سبيل الله، فكنى بالمكر عما قالوه بألسنتهم، فكان ذلك { مَكْراً كُبَّاراً } ، أي: قولا عظيما.

وجائز أن يكون على حقيقة المكر، وهو أن رؤساءهم مكروا بأتباعهم حيث قالوا: إن هؤلاء لو كانوا أحق بالله تعالى منا، لكانوا هم الذين يوسع عليهم ويضيق علينا، فإذا وسع علينا وضيق عليهم، ثبت أنا نحن الأولياء [والأصفياء] دون غيرنا، وهذا منهم مكر عظيم؛ لأنه يأخذ قلوب أولئك فيصدهم عن سبيل الله تعالى.

وجائز أن يكون مكرهم ما ذكر أنهم كانوا يأتون بأولادهم الصغار إلى نوح عليه السلام، ويقولون لهم: إياكم واتباع هذا فإنه ضال مضل، فكان هذا مكرهم بصغارهم.

السابقالتالي
2 3 4 5