الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } * { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } * { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } * { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } * { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } * { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } * { وَنَرَاهُ قَرِيباً } * { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } * { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } * { يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } * { وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ } * { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } * { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ } * { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } * { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } * { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ }

قوله - عز وجل -: { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ } قرئ بتسكين الألف، ومعناه: سال واد بعذاب واقع للكافرين، أي: جرى واد بعذاب واجب.

والقراءة العامّة بالهمزة من السؤال، وتأويله على سؤال القوم العذاب بقولهم:إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]، وقولهم:عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } [ص: 16].

وقيل: هو النضر بن الحارث، سأل ذلك، فقتل يوم بدر بعدما أسر؛ هكذا قال بعض أهل التأويل.

ولكن عندنا [أن] هذا وإن كان في الظاهر خارجاً مخرج السؤال، لكن لم يكن سؤاله هذا لينزل به العذاب في التحقيق، وإنما هذا منه على جهة الاستبعاد بالعذاب والاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، [والذي حملهم على الاستبعاد والإنكار هو أنه كان عند أهل مكة: أنه لو كان فيهم نبي، لكانوا هم أحق بالنبوة من رسول الله - عليه السلام -] لأنهم هم الذي بسطت لهم الدّنيا، وهم الذين لهم نفاذ الكلام في البلاد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبسط له الدنيا، ولا كان لكلامه فيما بينهم نفاذ، فيظنون بهذا أنهم أقرب منزلة عند الله - تعالى - من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يستقيم في العقل أن يصل الولي إلى عدوه، ويحسن إليه ويدع صلة وليه ويجفوه، فهذا الظن الذي ذكرنا هو الذي حملهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يخبرهم من حلول العذاب بالتكذيب، وعلى الاستهزاء به، فكان سؤال السائل على جهة الاستبعاد والإنكار للعذاب، لا أن كانوا مقرين به ثمّ استعجلوه.

وذكر أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم انصر أبرنا قسماً، وأوصلنا رحماً، وأقرانا للضيف؛ فكان يدعو بهذا لما عنده: أنه أشرف حالاً وأعلى منزلة عند الله - تعالى - من محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، ومن كان هذا شأنه، فهو أولى أن ينصر؛ قال الله - تعالى -:وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32]، ولو لم يكن عندهم أنهم أقرب منزلة وأحق أن يكونوا أولياء، وإلا لم يكونوا يجترئون أن يسألوا بهذا، فهذه الشبهة التي ذكرناها هي التي أورثت لهم ما ذكرناها من الظن، حتى زعموا أنهم أحق بالرسالة، وظنهم هذا يتولد من ظن إبليس، وذلك أن إبليس قال:أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ص: 76]؛ فظن أن أمر الفاضل للمفضول بالسجود في الخضوع له خارج عن حد الحكمة؛ فصار إلى ما صار إليه من الخزي واللعن، فكذلك هؤلاء لما رأوا من نفاذ كلمتهم وسعتهم في الدنيا ظنوا أنهم أقرب إلى الله - تعالى - إذ التوسع عندهم دلالة الولاية والقرب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7