الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ }.

قيل: آمنوا واتقوا قبل أن يهلكوا بعد ما أصابهم من الشدائد والبلاياً؛

{ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ... } الآية.

أي: لأعطوا كل خير ينال من السماء والأرض، والبركة ما ينال من كل خير على غير - مؤنة [وقيل:] البركة: كل شيء ينال بلا تبعة عليه ولا شدة - ذكر ها هنا أنه يفتح عليهم بركات من السماء والأرض لو آمنوا واتقوا، وذكر إذا لم يؤمنوا ونسوا ما ذكروا به أنه يفتح عليهم أبواب كل شيء، ولم يذكر البركة، ففيما لم يذكر البركة ينقصهم ما فتح عليهم من كل شيء ويسوؤهم وفيما ذكر فيه البركة بعد الإيمان لا يلحقهم من ذلك تبعة ولا غرم، [والله أعلم].

وقوله - عز وجل -: { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يحتمل قوله: ولكن كذبوا النعم التي أنعمها عليهم، أي: الرسل، فأخذناهم بما كانوا يكسبون من التكذيب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ }.

خرج هذا في الظاهر مخرج الاستفهام، ولكن في الحقيقة على الإيجاب؛ كقوله:أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ... } [النور: 50] الآية، هذا في الظاهر وإن خرج مخرج الشك والارتياب، فهو في الحقيقة على الإيجاب؛ كأنه قال: في قلوبهم مرض وارتابوا وخافوا أن يحيف الله عليهم، فعلى ذلك قوله: { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } [أو أمن أهل القرى] على الإيجاب، كأنه قال: قد أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً، { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } الآية.

ثم اختلف في قوله: { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } إلى آخر ما ذكر:

قال الحسن: هذه الآيات في الأمم السالفة، أخبر عن أمنهم بنزول بأس الله وعذابه بهم، لكن ذكر في هذه الأمة ليكونوا على حذر عن مثل صنيعهم.

وقال الآخرون: هذه الآيات في قرى هذه الأمة لا في الأمم السالفة، يقول: أمن هؤلاء بأسنا كما أمن أولئك منه فإنهم إذا صنعوا مثل صنيعهم ينزل بهم في الآخرة من العذاب مثل ما أنزل بأولئك في الدنيا من العذاب.

وقوله: { بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } و { ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }.

أخبر أن العذاب إنما نزل بهم في حال الأمن وهو وقت النوم واللعب؛ لأنه هو وقت الغفلة والسهو، وآمن ما يكون الإنسان إنما يكون في حال النوم، وإنما نزل بهم في وقت الغفلة والسهو، يذكر بهذا - والله أعلم - أهل مكة وغيرهم من الكفرة بتكذيبهم رسول الله؛ لئلا يكونوا آمنين عن بأس أبداً في وقت من الأوقات، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ }.

السابقالتالي
2