الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } * { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ }.

ذكر في غيره من الأنبياء دعاءهم قومهم إلى عبادة الله ووحدانيته، على ما قال نوح:يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف: 59] وكذلك قال هود، وصالح، وشعيب، وغيرهم من الأنبياء، ولم يذكر في لوط ذلك هاهنا، ولا يحتمل أن لم يكن منه الدعاء إلى ما كان من غيره من الأنبياء إلى توحيد الله وعبادته قبل النهي عن الفواحش، والتعبير عليها، وهو ما ذكر في آية أخرى:كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ... } [الشعراء: 160-163] لأنه كان من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - دعاء قومهم إلى عبادة الله، ووحدانيته أولاً، ثم النهي عما ارتكبوا من الفواحش والمعاصي، والتعيير عليها.

وقوله - عز وجل -: { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } قوله: { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ } يحتمل أن يكون منهم ما كان من سائر الأقوام تقليد الآباء في العبادة لغير الله؛ كقولهم:أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } [الأعراف: 70] وقولهم:وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } [الزخرف: 22] ومُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23] وقوله:بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [الشعراء: 74] ونحو ما قالوا؛ فعلى ذلك من قوم لوط للوط لما دعاهم إلى عبادة الله، ووحدانيته، فأجابوه بما أجاب الأقوام لأنبيائهم من التقليد لآبائهم؛ فقال: { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } ، أي: تعملون أنتم أعمالاً لم يعملها آباؤكم، ولا تقلدون آباءكم في تركها من نحو ما ذكر من إتيان الفاحشة، فقال: { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } يعيرهم، ويسفه أحلامهم في إتيان ما يأتون من الفاحشة التي لم يسبقهم أحد من العالمين، على علم منهم أن ذلك فاحشة.

ألا ترى أنهم قالوا: { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } دل هذا القول على أن ما يأتون من الفواحش يأتون على علم منهم أنها فواحش؛ حيث قالوا: { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }.

ثم قوله: { ٱلْفَاحِشَةَ } لما في العقل والشرع؛ لأن ما حرم من المحرمات على الخلق، وأحل المحللات [محنة] منه لهم على ذلك، ثم جعل فيما أحل لهم من الأطعمة والأشربة والاستمتاع بالنساء والجواري دواماً لهذا العالم؛ لأنهم لو تركوا التناول من ذلك لهلكوا، فإذا هلكوا انقطع هذا العالم لما ينقطع نسلهم، ثم ركب فيهم الشهوات والحاجات التي تبعثهم على التناول مما أحل لهم ليدوم هذا العالم؛ لأنه [ما] أحل لهم للشهوة خاصة، ولكن لما ذكرنا فأخبر أن ما يأتون هم هو فاحشة؛ لما ليس إتيانهم إياها إلا لنفس قضاء الشهوة، إذ ليس في ذلك دوام العالم وبقاؤه، فهو في العقل فاحش محرم، وإنْ لم يرد في النهي، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3