الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ }.

قال الحسن: الماء مما رزقهم الله، ولكن مكرر مثنى.

وقال أبو بكر: طلبوا الماء؛ ليدفعوا عن أنفسهم ما اشتد بهم من الظمأ والعطش، ثم تقع لهم الحاجة إلى الطعام؛ لأن الرجل إذا اشتد به العطش والظمأ لا يتهيأ له الأكل.

ولكن يشبه أن يكون طلب بعضهم الماء وبعضهم الطعام الذي رزقهم الله، وهذا جائز، وإن لم يذكر؛ كقوله:وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111]، لم يكن هذا القول من الفريقين؛ ولكن كان من اليهود { إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً } ، ومن النصارى: { أَوْ نَصَارَىٰ } ، فعلى ذلك هذا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }.

قيل: هذا مقابل قولهم في الدنيا للمؤمنين:أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [يس: 47]، قال لهم المؤمنون في الآخرة مقابل ما قالوا لهم في الدنيا: { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }.

وهذا - والله أعلم - ليس على التحريم، ولكن على المنع؛ لأن الكفرة لا ينالون بعد أن نالوا ذلك حراماً كان أو حلالاً، ولكن على المنع؛ كقوله - تعالى -:وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } [القصص: 12] ليس هو تحريم حرمة أكل، ولكن منع، ويشبه أن يكون ذلك محرماً على المؤمنين إطعام الكافرين من ذلك.

وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً }.

قال الحسن: اتخذوا دينهم الذي كلفوا به وأمروا أن يأتوا به لهواً ولعباً.

وجائز أن يكون قوله: { ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً } أي: اتخذوا دينهم الملاهي التي كانوا يلهون ويلعبون؛ كقوله:وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } [الأنفال: 35] أي: اتخذوا دينهم الذي دانوا به لهواً ولعباً؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث، وفي إنكارهم البعث إنكار الجزاء للحسنات والسيئات، وفي الحكمة إيجاب ذلك، فمن لم ير ذلك فهو لاه ولاعب، واللهو واللعب هو الذي لا عاقبة له، وكل من عمل عملاً لا عاقبة له فهو لعب ولهو، وكل من يعمل لعاقبة فهو ليس بلعب ولا لهو، وهم كانوا يعملون لا لعاقبة؛ لذلك كان لهواً ولعباً.

وقوله - عز وجل -: { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا }.

قال بعضهم: إن الحياة الدنيا لا تغر أحداً، ولكن أضيف إليها التغرير لما كانت سبباً من أسباب الاغترار بها، فأضيف إليها؛ كقوله:فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [نوح: 6] أضاف الفرار إلى الدعاء، وقد يضاف الشيء إلى سببه؛ كقوله:وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [يونس: 67]، أي: يبصر به.

وقال بعضهم: أضيف ذلك إليها؛ لما كان منها من السبب من الهيئة ما لو كان ذلك من ذي العقل والتمييز كان ذلك غروراً؛ من نحو التزيين وغيره.

السابقالتالي
2 3