الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } * { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } * { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ }.

يشبه أن يكون ما ذكر من الحجاب ما ذكر في آية أخرى، وهو قوله:فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } [الحديد: 13]، فأمكن أن يكون الحجاب المذكور بينهما هو السور الذي ذكر، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ }.

قال بعضهم: هم قوم استوت حسناتهم بسيئاتهم، لم يبشروا بالجنة حتى لا يخافوا عقوبته، ولا أيسوا حتى لا يطمعوا ولا يرجوا دخولهم فيها.

وقال آخرون: هم أهل كرامة الله، أكرمهم بذلك، يرفعهم على ذلك السور لينظروا إلى حكم الله في الخلق وعدله فيهم، وينظرون إلى إحسان الله فيمن يحسن إليه، وعدله فيمن يعاقبهم.

وقيل: هم الأنبياء.

والأشبه أن الأنبياء يكونون على الأعراف يشهدون على الأمم؛ كقوله:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [النساء: 41]، وقال قائلون: هم الملائكة، لكن ملائكة الله ما يسمون رجالاً، ولم نسمع بذلك، والله أعلم بذلك.

ثم اختلف فيه: قيل: سموا أصحاب الأعراف، وهو سور بين الجنة والنار سمي بذلك؛ لارتفاعه، وكل مرتفع عند العرب أعراف، وهو قول القتبي.

وقال غيره: الأعراف: هو عرف كعرف الديك والفرس، وهو أيضاً من الارتفاع.

وقال الحسن: هم أصحاب التعريف، يعرفون أهل النار عدل الله فيهم وحكمه، وأن ما حل بهم من الشدائد وأنواع العذاب إنما حل بهم مما كان منهم في الدنيا من صدهم الناس عن سبيل الله، واستكبارهم على الرسل، يعرفونهم أن ما نزل بهم إنما نزل بعدل منه، ويعرفون أهل الجنة فضل الله وإحسانه إليهم أن ما نالوا هم إنما نالوا بفضل منه وإحسان.

أو قوم نصبهم الله لمحاجة أهل النار؛ كقوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأعراف: 48]، فهذه هي المحاجة التي يحاجون بها أهل النار.

أو أن يقال: هم قوم نصبوا يترجمون بين أهل الجنة وأهل النار، يؤدون كلام بعضهم إلى بعض، وينهون مخاطبات بعض إلى بعض، من ذلك قوله:وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ } [الأعراف: 50]، وقوله:وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ } [الأعراف: 44]، ونحوه. والله أعلم من هم؟

وقوله - عز وجل -: { يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ }.

قيل: المؤمن يعرف ببياض وجهه، والكافر: بسواد وجهه.

ويحتمل ما قال الحسن: هو أن يعرفوا بالمنازل والأماكن.

وقوله - عز وجل -: { وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ }.

يعني: نادى أصحابُ الأعراف أصحاب الجنة.

{ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ }.

ليس أن يقولوا سلام عليكم باللسان خاصة؛ ولكن في كل كلام سديد وقول حسن وصواب؛ كقوله:

السابقالتالي
2 3