الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }.

قال أبو بكر الكيساني: قوله: { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ }: ليس من جنس ما ذكر من قوله: { آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ }؛ لكنه صلة قوله:يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ } [الأعراف: 35]، يقول فيما تقدم ذكره: { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }.

وأما عندنا: فإنه يستقيم أن يجعل صلة ما تقدم، أي: لا نكلف نفساً من الأعمال الصالحات إلا وسعها، بل نكلفها دون وسعها ودون طاقتها { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.

وقال الحسن: قوله: { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً }: إلا ما يسع ويحتمل، وهو صلة قوله: { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا } ، يقول: لا يكلف نفساً إلا ما يسع ويحتمل، لا ما لا يسع ولا يحتمل.

قوله - عز وجل -: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }.

قال القتبي: الغل: الحسد والعداوة.

وقيل: الغل والغش واحد، وهو ما يضمر بعضهم لبعض من العداوة والحقد.

وقيل: الغل: الحقد.

ثم اختلف فيه:

قال بعضهم: قوله: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }: في الدنيا، ينزع الله - عز وجل - من قلوبهم الغل، يعني: [من] قلوب المؤمنين، ويجعلهم إخواناً بالإيمان؛ كقوله:إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [آل عمران: 103] الآية، أخبر أنهم كانوا أعداء فألف بين قلوبهم بالإيمان الذي أكرمهم به؛ حتى صاروا إخواناً بعد ما كانوا أعداء.

قال الحسن: ليس في قلوب أهل الجنة الغل والحسد؛ إذ هما يهمان ويحزنان؛ إنما فيها الحب.

[و] قال بعضهم: هذا في الآخرة، ينزع الله - تعالى - من قلوبهم الغل الذي كان فيما بينهم في الدنيا، ويصيرون جميعاً إخواناً؛ كقوله:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47].

وروي عن علي - رضي الله عنه - قال: [إني] لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله - تعالى -:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47].

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: نزلت في علي وأبي بكر [وعمر] وعثمان وطلحة والزبير وابن مسعود وعمار وسلمان وأبي ذر - رضوان الله عليهم أجمعين - فينزع في الآخرة ما كان في قلوبهم من غش بعضهم لبعض في الدنيا من العداوة والقتل الذي كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر الذي اختلفوا فيه، فيدخلون الجنة؛ هذا - والله أعلم - لأن الذي كان بينهم من الاختلاف والقتال كان دنيويّاً لم يكن؛ بسبب الدين، فذلك يرتفع في الآخرة ويزول، وأما العداوة التي هي بيننا وبين الكفرة: فهي لا تزول أبداً في الدنيا والآخرة؛ لأنها عداوة الدين والمذهب، فذلك لا يرتفع أبداً.

السابقالتالي
2 3 4