الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله - عز وجل: { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ }.

قال ابن عباس - رضي الله عنه - والحسن: أنزلنا ماء القراح من السماء ليتخذ منه اللباس ما يواري عوراتهم، ويتخذ منه الطعام والأشياء التي بها قوام أنفسهم.

ويحتمل قوله: { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } أنزل الماء والأسباب التي بها يتخذ اللباس والأطعمة والأشربة، والعلم في ذلك الماء والأسباب، والعلم بذلك، وإلا ما عرف الخلق أن كيف يتخذ ذلك لباساً والأطعمة والأشربة.

وفيه دليل إثبات الرسالة؛ لأنهم لم يعرفوا ذلك إلا بوحي من السماء.

أو أن يكون قوله: { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً } ، أي: جعل لكم وأنشأ لكم ما تتخذون منه اللباس والطعام والشراب ليس على الإنزال، ولكن على أن جعل لكم ذلك؛ كقوله:جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [غافر: 79].

وقوله:جَعَلَ لَكُمْ } [النحل: 80]، أي أنشأ لكمسَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } [النحل: 81]، وهو أن خلق لنا ذلك.

وفيه دليل خلق أفعال الخلق؛ لأنه إنما صار طعاماً بفعل من العباد [لا] أنه أنزل من السماء هكذا، ثم أخبر أنه جعل ذلك لنا، دل أنه خلق فعل الخلق فيه.

وقوله - عز وجل -: { وَرِيشاً } ، قال بعضهم. مالاً.

وقال بعضهم: معاشا.

وقال القتبي: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس، وريش ما ستر به.

وقوله - عز وجل -: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ }.

في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } ، بالرفع على الابتداء أي لباس التقوى خير، ومن نصبه - أيضاً - فإنما ينصبه على الجواب لما تقدم؛ وإلا الحق فيه الرفع.

ثم اختلف فيه أهل التأويل قال الحسن: لباس التقوى: الدين.

وقال أبو بكر الأصم: القرآن.

وقيل: العفاف.

وقيل: الحياء.

وقيل: الإيمان، فكله واحد، أي: كل ما ذكر من لباس التقوى خير من اللباس الذي ذكر؛ لأن الدين والإيمان والقرآن والحياء يزجره ويمنعه من المعاصي فهو خير لأنه لباس في الدنيا والآخرة؛ لأن المؤمن التقي العفيف الحيي لا يبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب [وأن الفاجر لا يزال] تبدو منه عورته، وإن كان كاسياً من الثياب، لا يتحفظ في لباسه؛ [فلباس] التقوى خير، وهو كقولهفَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } [البقرة: 197] هذا التأويل للقراءة التي تقرأ بالرفع: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } على الابتداء.

وأمّا من قرأ بالنصب فهو رده إلى قوله: { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً } ، ثم أنزلنا عليكم - أيضاً - لباساً تتقون به الحرّ والبرد والأذى؛ فيكون فيه ذكر لباس سائر البدن، وفي الأول ذكر لباس العورة.

وقوله - عز وجل -: { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ }.

السابقالتالي
2 3