الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } * { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }

قوله - عز وجل -: { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ }.

قال أبو عوسجة: { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } ، أي: أوردهما، يقال: دلاني فلان بحبل غرور، أي: أنه زين [لك] القبيح حتى يرتكبه، وأصل التدليه من الدلو، وهو من الدعاء، أي: دعاهما بغرور، ودعاؤه إياهما بغرور، هو قوله:هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [طه: 120]، وقوله: { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ }.

وقوله: { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا }.

فإن قيل: كيف خصّ السوءة بالذكر، ومنته في اللباس في كل البدن لا في السوءة خاصة؟ وكذلك قوله:يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } [الأعراف: 26] ذكر منته فيما أنعم علينا من ستر العورة [وذلك في العورة]، وفي غيرها من البدن في دفع البرد والحرّ وغير ذلك؟!

قيل: لأن كشف العورة مستقبح في الطبع والعقل جميعاً، وأما كشف غيرها من البدن فليس هو بمستقبح في الطبع ولا في العقل، وربما يبدي المرء لغيره من البدن سوى العورة عند الحاجة، ويستر عند غير الحاجة، وأما العورة فإنه لا يبديها إلا في حال الضرورة؛ لذلك كان ما ذكر.

أو أن يقال: إن المفروض من الستر هو قدر الضرورة، والآخر يلبسه: إما بحق التجمل، وإما بحق دفع البرد والحرّ والأذى؛ لذلك [كان] تخصيصه بالذكر، وإلا المنة والنعمة عظيمة في لباس غيره من البدن.

فإن قيل: إن الله كنى عن الجماع مرة باللمس ومرة بالغشيان، وعن الخلاء بالغائط، وهو المكان الذي تقضى فيه الحوائج، وكذلك جميع ما لا يستحسن ذكره مصرحاً فإنما ذكره بالكناية، وهاهنا ذكر السوءة في العورة؟!

قيل: السوءة والعورة هما كناية، لم يذكر الفرج ولا الذكر والدبر؛ فهو كناية.

والثاني: في ذكر تخصيص السوءة؛ وذلك أن قصد الشيطان إنما كان إلى إبداء عورتهما لا غير.

ألا ترى أن ذلك لم يجعل لغير البشر عورة تستر؛ ولذلك خصّ الستر بالقبر إذا مات يقبر؛ لأجل عورته، ولا يقبر غيره من الدواب إذا هلك، ولا يستر في حال حياته؛ فخرج ذكر تخصيص السوءة لما ذكرنا أن اللعين قصد بذلك قصد إبداء عورتهما لا غير.

ألا ترى أنه قال: { لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } كان قصده إلى ذلك.

وقوله - عز وجل -: { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ }.

قال أبو عوسجة: طفقا، أي: أخذا، تقول طفقت أفعل كذا، أي: أخذت، والخصف: الخياطة في النعل والخف، وهو مستعار هاهنا.

وقال مجاهد: يخصفان، أي: يرفعان كهيئة الثوب.

وقيل: يخصفان: يغطيان.

ثم قوله: { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ }.

إما حياء أحدهما من الآخر أو حياء من الله تعالى؛ ولهذا نقول: إنه يكره للرجل في الخلوة أن يكشف عورته ويبديها، وعلى ذلك روي في الخبر أنه قال:

السابقالتالي
2 3 4