قوله - عز وجل -: { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ... } الآية. أمر الله - تعالى - بالاستماع إلى هذا القرآن والإنصات له إذا قرئ وإن كان في العقل أن من خاطب آخر بمخاطبات يلزمه الاستماع إلى ما يخاطبه ويشافهه، فالله - سبحانه - إذا خاطب بخطاب أولى أن يستمع له مع ما ذكر في غير موضع من القرآن آيات ما يوجب في العقل الاستماع إليه؛ كقوله: { هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً } ، وقوله:{ ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [الأعراف: 3] وغير ذلك من الآيات، ولا سبيل إلى أن يعرف أنه بصائر، وأنه هدى وما ذكر إلا بالاستماع إليه والتفكر فيه؛ فدل أن الاستماع لازم في العقل من له أدنى عقل؛ على ما ذكرنا من المخاطبات، لكنه ذكر - هاهنا - الاستماع إليه - والله أعلم - لوجهين: أحدهما: مقابل ما كانوا يقولون:{ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ } [فصلت: 26] أمر - عز وجل - المؤمنين بالاستماع إليه مكان قولهم:{ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } [فصلت: 26]، وأمر بالإنصات مكان ما يقولون:{ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26]. والثاني: يجوز أن يكون أمر بالاستماع إليه في الصلاة؛ على ما قال بعض أهل التأويل أنه في الصلاة. وقال بعضهم: في حال الخطبة؛ لما يسبق إلى أوهامهم أنه لما اشتغلوا بغيرها من العبادات ولزموا أنواع القرب أن يسقط عنهم حق الاستماع، فأمر بالاستماع إليه، والإنصات له؛ ليعلموا أن حق الاستماع لازم في كل حال. ثم الاستماع إليه يكون لتفهم ما أودع فيه من الأمر والنهي، والوعد، والوعيد، وغيره، والإنصات للتعظيم والتبجيل. ثم الاستماع له لم يلزم لنفس التلاوة، ولكن إنما يلزم لما أودع فيه من الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وغيره؛ ليفهموا ما فيه، ويقبلوه، ويقوموا بوفاء ذلك، وأمّا سائر الأذكار إنما صارت عبادة لنفسها؛ لذلك لم يلزم الاستماع إلى سائر الأذكار، ولزم لتلاوة القرآن. ولأن القرآن كلام الله وكتابه، ومن الجفاء والاستخفاف أن يكتب إنسان إلى أخيه كتاباً لا ينظر فيه ولا يستمع له؛ فترك الاستماع إلى كتاب الله أعظم في الجفاء والاستخفاف. ولأن القرآن يجهر به، وسائر الأذكار لا تجهر، فإن كنت تجهر فيستمع لها كما يستمع إلى القرآن، والله أعلم. وذكر في بعض القصة أن الآية نزلت في الصلاة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ في صلاته كانوا يقولون مثل [ما قال]، فنزلت الآية بالنهي عن ذلك، والأمر بالاستماع إليه والإنصات له. وذكر أنهم كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار؛ فنزلت الآية لذلك، فلا ندري كيف كانت القصة؛ وفيم كانت؟ وقد يحتمل ما ذكرنا آنفاً.