الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } قيل: { أَيَّانَ }: متى قيامها.

وقال القتبي: { أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } أي: متى ثبوتها؛ يقال: رسا في الأرض: إذا ثبت، ورسا في الماء، ويقال للجبال: رواسي؛ لثبوتها.

ثم اختلف في السؤال عما كان:

قال بعضهم: كان السؤال عن الفناء وفناء الخلق وهلاكهم؛ لأنه قال في آخره: { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } ونحوه قوله:مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً... } الآية [يس: 49]، وذلك يكون في الدنيا.

وقال قائلون: كان السؤال عن البعث وقيام الساعة؛ إنكاراً منهم إياها واستعجالا للعذاب؛ كقوله:وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى: 17-18]، وقولهم:أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا... } الآية [المؤمنون: 82]، وغير ذلك من الآيات؛ يدل على أن السؤال كان عن الساعة، وليس قوله: { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } أنه كان عن الفناء؛ إذ كانوا يعاينون الفناء؛ فلا يحتمل أن يكون السؤال عن ذلك.

ثم يحتمل بعد هذا وجهين:

أحدهما: إن كان السؤال من المكذب بها فهو سؤال استهزاء واستعجال لما ذكرنا، وإن كان من المصدق فهو [سؤال] استعلام وإشفاق؛ ليتأهبوا لها ويستعدوا؛ كقوله:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [الشورى: 18] لما سمعوا من الآيات ما يقرب وقوعها؛ كقوله:ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [القمر: 1]، وقوله:ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [الأنبياء: 1]، وقوله:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [النحل: 1] ونحوه من الآيات، وما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [بعثت] أنا والساعة كهاتين ".

وفي بعض الأخبار قال: " كادت الساعة أن تسبقني " وغير ذلك من الأخبار، حملهم ذلك على السؤال عنها؛ ليتأهبوا لها ويستعدوا، ثم أمره أن يقول: { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } ، أي: لا يكشفها ولا يظهر وقتها إلا هو، ليس كالأمور التي تجري على أيدي الخلق، ويكون لغيره فيها تدبير [من إخراج الثمار والنبات والأمطار، وغير ذلك من الأمور التي تجري على أيدي الخلق ويكون لهم فيها تدبير، أعني] الملائكة الذين سلطوا على حفظ المطر والنبات، وأما الساعة فإنها تقوم من غير أن كان لأحد من الخلائق تدبير فيها أو علم، وهو ما وصفها الله - عز وجل -:وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل: 77] أخبر أن أمر الساعة خارج عن تدبير الخلق؛ بل تقوم بتدبير الله من غير أن يجريها على [يد أحد]، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.

قيل: ثقلت على أهل السماوات والأرض.

ثم اختلف فيه: قال قائلون: قوله: { ثَقُلَتْ } أي: خفيت على أهل السماوات والأرض، فذكر الثقل؛ لأن كل من خفي عليه شيء ثقل عليه، فذكر أنها ثقيلة عليهم؛ لخفائها عليهم.

السابقالتالي
2 3