قوله - عز وجل -: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } قيل: { أَيَّانَ }: متى قيامها. وقال القتبي: { أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } أي: متى ثبوتها؛ يقال: رسا في الأرض: إذا ثبت، ورسا في الماء، ويقال للجبال: رواسي؛ لثبوتها. ثم اختلف في السؤال عما كان: قال بعضهم: كان السؤال عن الفناء وفناء الخلق وهلاكهم؛ لأنه قال في آخره: { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } ونحوه قوله:{ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً... } الآية [يس: 49]، وذلك يكون في الدنيا. وقال قائلون: كان السؤال عن البعث وقيام الساعة؛ إنكاراً منهم إياها واستعجالا للعذاب؛ كقوله:{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى: 17-18]، وقولهم:{ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا... } الآية [المؤمنون: 82]، وغير ذلك من الآيات؛ يدل على أن السؤال كان عن الساعة، وليس قوله: { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } أنه كان عن الفناء؛ إذ كانوا يعاينون الفناء؛ فلا يحتمل أن يكون السؤال عن ذلك. ثم يحتمل بعد هذا وجهين: أحدهما: إن كان السؤال من المكذب بها فهو سؤال استهزاء واستعجال لما ذكرنا، وإن كان من المصدق فهو [سؤال] استعلام وإشفاق؛ ليتأهبوا لها ويستعدوا؛ كقوله:{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [الشورى: 18] لما سمعوا من الآيات ما يقرب وقوعها؛ كقوله:{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [القمر: 1]، وقوله:{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [الأنبياء: 1]، وقوله:{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [النحل: 1] ونحوه من الآيات، وما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [بعثت] أنا والساعة كهاتين ". وفي بعض الأخبار قال: " كادت الساعة أن تسبقني " وغير ذلك من الأخبار، حملهم ذلك على السؤال عنها؛ ليتأهبوا لها ويستعدوا، ثم أمره أن يقول: { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } ، أي: لا يكشفها ولا يظهر وقتها إلا هو، ليس كالأمور التي تجري على أيدي الخلق، ويكون لغيره فيها تدبير [من إخراج الثمار والنبات والأمطار، وغير ذلك من الأمور التي تجري على أيدي الخلق ويكون لهم فيها تدبير، أعني] الملائكة الذين سلطوا على حفظ المطر والنبات، وأما الساعة فإنها تقوم من غير أن كان لأحد من الخلائق تدبير فيها أو علم، وهو ما وصفها الله - عز وجل -:{ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل: 77] أخبر أن أمر الساعة خارج عن تدبير الخلق؛ بل تقوم بتدبير الله من غير أن يجريها على [يد أحد]، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }. قيل: ثقلت على أهل السماوات والأرض. ثم اختلف فيه: قال قائلون: قوله: { ثَقُلَتْ } أي: خفيت على أهل السماوات والأرض، فذكر الثقل؛ لأن كل من خفي عليه شيء ثقل عليه، فذكر أنها ثقيلة عليهم؛ لخفائها عليهم.