الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }

قوله عز وجل: { أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }.

اختلف فيه:

قال بعضهم: أنظره إلى النفخة الأولى؛ لئلا يذوق الموت؛ فيصل حياة الدنيا بحياة الآخرة، وهو ما ذكر في آية أخرى:قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [الحجر: 37-38].

وقال بعضهم: أنظره إلى يوم البعث.

وظاهر ما خرج من الخطاب أن يكون أنظره إلى يوم البعث؛ [لأنه سأل ربه أن ينظره إلى يوم البعث حيث] قال: { أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، فقال: { إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } خرج ذلك جواباً لسؤاله، وما ذكر من الوقت المعلوم.

وفي آية أخرى يجيء أن يكون هو ذلك اليوم.

وقال غيره: أنظره ولم يبين له ذلك الوقت الذي أنظره إلى ذلك الوقت؛ حتى يكون أبداً على خوف ووجل؛ ألا ترى أنه قال:فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ } [الأنفال: 48] لو كان الوقت الذي أنظره معلوماً عنده، لكان لا يخاف الهلاك بدون ذلك الوقت؛ دل أنه كان غير معلوم عنده.

وقوله عز وجل: { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }.

قال الحسن: قوله: { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } ، أي: بما لعنتني.

والإغواء هو اللعن كقولهفَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } [الحجر: 37] أى: من الملعونين؛ فيعني ذلك قوله { أَغْوَيْتَنِي } أي: لعنتني. وقال أبو بكر الكيساني: أضاف الإغواء إلى نفسه؛ لما كان سبب ذلك منه، وهو الأمر الذي أمره بالسجود لآدم والخضوع له.

ويجوز أن يضاف إليه ذلك؛ لما كان منه السبب نحو قوله:وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } [التوبة: 49] فطلب منه الإذن بالقعود، ولا تكلفني بما لا أقوم فتفتنني بذلك، وقال: إنما أضاف ذلك إليه؛ لما كان منه سبب ذلك الافتتان؛ فعلى ذلك هذا.

وقال بعض المعتزلة: هذا قول إبليس { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } وقد كذب عدو الله لم يغوه الله؛ فيقال لهم فإن كان إبليس عدو الله قد كذب في قوله { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } فيما أغويتني فتقولون بأن نوحاً - صلوات الله [عليه] - قد كذب حيث قال:وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } [هود: 34]، أضاف الإغواء إليه؛ دل هذا على أن إبليس لم يكذب بإضافة الإغواء إلى الله.

ولكن عندنا أنه أضاف الإغواء إلى نفسه؛ لما خلق فيه فعل الغواية والضلال، على ما ذكرنا في غير موضع، ليس كما قال هؤلاء: إنه إضيف إليه لمكان ما كان منه سبب ذلك؛ لأنه لو جاز أن يضاف فعل الإغواء إليه لسبب الإغواء لجاز أن يضاف ذلك إلى الرسل والأنبياء؛ لأنه كان منهم الأمر لقومهم والدعاء إلى توحيد الله، ثم كذبوا في ذلك؛ فكان سبب إغواء أولئك هم الرسل، وذلك بعيد.

السابقالتالي
2 3