الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } [قيل] تأذن: أي: قال ربك: [ليبعثن].

وقال أبو عوسجة: { وَإِذْ تَأَذَّنَ } هو من الأذان، أي: أعلم ربك.

وقوله: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ... } الآية قال: نزلت هذه الآية بمكة في شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الكفار كانوا يمنعون من دار الإسلام واتباع محمد - عليه الصلاة والسلام - فوعدهم الله ليبعثن عليهم من يقاتلهم ويأخذ منهم الجزية إلى يوم القيامة؛ جزاء ما كانوا يمنعون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإجابة له فيما يدعو إليه.

وقال قائلون: هو في بني إسرائيل، وهو ما قال:وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ... } [الإسراء: 4] إلى قوله:عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [الإسراء: 8] أخبر إن عادوا عدنا، ولم يبين إن عادوا عدنا بماذا، ثم بين في هذه الآية بقوله: { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ }.

وقال قائلون: هذا إنما كان في هؤلاء الذين سبق ذكرهم في قوله:أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [الأعراف: 165].

قال أبو بكر الأصم: الآية لا تحتمل في هؤلاء؛ لأن من آمن منهم لا يحتمل ذلك، ومن صار منهم قروداً لم يحتمل - أيضاً - بعد ما صاروا قروداً، فهو - والله أعلم - على الوجهين اللذين ذكرناهما.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ }.

يأخذهم في حال أمنهم، ليس كما يأخذ ملوك الأرض قومهم بعد ما يتقدم منهم إليهم تخويف، فعند ذلك يأخذونهم بالعذاب.

أو أن يقال: سريع العقاب، أي: عن سريع يأخذهم عقابه.

وقوله: { لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ }: لمن كفر وكذب، غفور رحيم: لمن آمن وصدق بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقوله - عز وجل -: { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً }.

يحتمل: فرقناهم في وقت بعد ما كانوا مجموعين.

ثم يحتمل الجمع وجهين:

كانوا مجموعين ثم تفرقوا، فصار بعضهم كفاراً وبعضهم مؤمنين.

أو كانوا مجموعين في المكان والمعاش والماء والكلأ ثم تفرقوا، فصاروا متفرقين في المكان والمعاش وغيره.

أو كانوا في الدين واحداً، ثم صاروا أصحاب أهواء.

ويحتمل قوله: { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً } أي: أمة بعد أمة، وجماعة بعد جماعة، بعضهم خلفاء لبعض؛ على ما ذكر: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ }.

وقوله - عز وجل -: { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ }.

فإن كان قوله: { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } في الدين والمذهب، فيكون تأويله: [منهم الصالحون المؤمنون، ومنهم دون ذلك الكفار، ويكون قوله: { دُونَ ذٰلِكَ } أي: غير ذلك كقوله يعيدونها دون الله أي:] غير الله.

وإن كان في المعاش، فبعضهم دون بعض في المعاش؛ وسع على بعض المعاش، وشدد على بعض وضيق، فيكون بعضهم دون بعض في المعاش والرزق.

السابقالتالي
2 3