الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } قال بعض أهل التأويل: القرية التي كانت حاضرة البحر هي أيلة.

وقال آخرون: أريحا.

ولسنا ندري ما تلك القرية، وليس لنا إلى معرفة تلك القرية حاجة؛ إذ لا منفعة لنا في معرفتها، ولو كانت لنا حاجة إليها لبين لنا عز وجل.

وقوله: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ... }.

أمره بالسؤال عنها، ثم كان هو المبين لهم بقوله: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } ، والسؤال هو الاستخبار، والإخبار أبداً إنما يلزم المسئول دون المستخبر، لكن الاستخبار يكون من وجهين:

أحدهما: ابتداء إخبار.

والثاني: طلب التصديق، فهاهنا لم يحتمل ابتداء الخبر، وهو على طلب التصديق؛ كأنه قال: ألم يكن كذا؛ فيقولون: نعم؛ يصدقونه بما يقول لهم.

وقال قائلون: لم يأمره بالسؤال حقيقة، ولكنه على التمثيل؛ كأنه قال: لو سألتهم يقولون لك كذا؛ كقوله:سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } [البقرة: 211] ليس على الأمر أن اسألهم، ولكن لو سألتهم كان كذا، وأجابوك بكذا، فعلى ذلك هذا.

وقوله - عز وجل -: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ }.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - [قال]: ابتدعوا السبت فعظموه، فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان.

وقال مجاهد: حرمت عليهم الحيتان يوم السبت، فكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً بلا مؤنة [ولا] تكلف، ابتلوا به، ولا تأتيهم في غير مثله.

وقال أبو عوسجة: قوله: { شُرَّعاً } [هي] التي قد دنت من الشط، والواحد: شارع.

وقوله - عز وجل -: { لاَ يَسْبِتُونَ }.

اي: لا يدخلون في السبت؛ كما يقال: لا يربعون ولا يخمسون، أي: لا يدخلون فيه، [ويسبتون أي يدخلون فيه] وكذلك يربعون ويخمسون.

وقال القتبي: { شُرَّعاً } أي: شوارع، { إِذْ يَعْدُونَ } أي: يتعدون الحق، ويقال: عدوت على فلان: إذا ظلمته.

وقال الكيساني: يقرأ: { يَسْبِتُونَ } بالرفع، ويقرأ بالفتح؛ فيمن قرأها [يسبتون بالفتح أراد سبتوا أي عظموا يقال: سبت يسبت سبتاً وسبوتاً إذا عظم، ومن قرأها برفع الياء أراد أنهم] دخلوا في السبت.

وقال قائلون: قوله: { شُرَّعاً } أي: كثيرة، أي: تكثر لهم الحيتان يوم السبت، وهو اليوم الذي حرم عليهم الحيتان، وتقل في غير ذلك.

وقال بعضهم: ابتلاهم الله بتحريم السمك في السبت؛ ليرى الخلق المطيع منهم من العاصي.

وقال قائلون: ابتلاهم بذلك لما كانوا يفسقون في السر؛ ليكون فسقهم وتعديهم ظاهراً عند الخلق كما كان عند الله؛ لئلا يقولوا عند التعذيب إنهم عذبوا بلا ظلم ولا تعد - والله أعلم -.

وذلك قوله: { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }.

وقال قائلون في قوله: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ }: إنما أمره أن يسألهم أما عذبهم الله بذنوبهم؟ ثم أخبر عن ذنوبهم فقال: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أي: يعتدون في السبت.

السابقالتالي
2 3