قوله - عز وجل -: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } قال بعض أهل التأويل: القرية التي كانت حاضرة البحر هي أيلة. وقال آخرون: أريحا. ولسنا ندري ما تلك القرية، وليس لنا إلى معرفة تلك القرية حاجة؛ إذ لا منفعة لنا في معرفتها، ولو كانت لنا حاجة إليها لبين لنا عز وجل. وقوله: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ... }. أمره بالسؤال عنها، ثم كان هو المبين لهم بقوله: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } ، والسؤال هو الاستخبار، والإخبار أبداً إنما يلزم المسئول دون المستخبر، لكن الاستخبار يكون من وجهين: أحدهما: ابتداء إخبار. والثاني: طلب التصديق، فهاهنا لم يحتمل ابتداء الخبر، وهو على طلب التصديق؛ كأنه قال: ألم يكن كذا؛ فيقولون: نعم؛ يصدقونه بما يقول لهم. وقال قائلون: لم يأمره بالسؤال حقيقة، ولكنه على التمثيل؛ كأنه قال: لو سألتهم يقولون لك كذا؛ كقوله:{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } [البقرة: 211] ليس على الأمر أن اسألهم، ولكن لو سألتهم كان كذا، وأجابوك بكذا، فعلى ذلك هذا. وقوله - عز وجل -: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ }. عن ابن عباس - رضي الله عنهما - [قال]: ابتدعوا السبت فعظموه، فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان. وقال مجاهد: حرمت عليهم الحيتان يوم السبت، فكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً بلا مؤنة [ولا] تكلف، ابتلوا به، ولا تأتيهم في غير مثله. وقال أبو عوسجة: قوله: { شُرَّعاً } [هي] التي قد دنت من الشط، والواحد: شارع. وقوله - عز وجل -: { لاَ يَسْبِتُونَ }. اي: لا يدخلون في السبت؛ كما يقال: لا يربعون ولا يخمسون، أي: لا يدخلون فيه، [ويسبتون أي يدخلون فيه] وكذلك يربعون ويخمسون. وقال القتبي: { شُرَّعاً } أي: شوارع، { إِذْ يَعْدُونَ } أي: يتعدون الحق، ويقال: عدوت على فلان: إذا ظلمته. وقال الكيساني: يقرأ: { يَسْبِتُونَ } بالرفع، ويقرأ بالفتح؛ فيمن قرأها [يسبتون بالفتح أراد سبتوا أي عظموا يقال: سبت يسبت سبتاً وسبوتاً إذا عظم، ومن قرأها برفع الياء أراد أنهم] دخلوا في السبت. وقال قائلون: قوله: { شُرَّعاً } أي: كثيرة، أي: تكثر لهم الحيتان يوم السبت، وهو اليوم الذي حرم عليهم الحيتان، وتقل في غير ذلك. وقال بعضهم: ابتلاهم الله بتحريم السمك في السبت؛ ليرى الخلق المطيع منهم من العاصي. وقال قائلون: ابتلاهم بذلك لما كانوا يفسقون في السر؛ ليكون فسقهم وتعديهم ظاهراً عند الخلق كما كان عند الله؛ لئلا يقولوا عند التعذيب إنهم عذبوا بلا ظلم ولا تعد - والله أعلم -. وذلك قوله: { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }. وقال قائلون في قوله: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ }: إنما أمره أن يسألهم أما عذبهم الله بذنوبهم؟ ثم أخبر عن ذنوبهم فقال: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أي: يعتدون في السبت.