الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } * { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } * { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ }.

الذي غضب لله على قومه بعبادتهم العجل.

ولا يحتمل ما قاله أبو بكر الأصم: أن الغضب عقوبة وشتم؛ لأن الغضب معروف، لا يجوز أن يتأول ما قال هو.

وقوله - عز وجل -: { أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ }.

يعني: الألواح التي وضعها على الأرض.

وقوله - عز وجل -: { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ }.

قال بعضهم: يعني في نسخة الألواح لما كانت نسخت من اللوح المحفوظ.

وقال بعضهم: قوله: { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى } أي: الكتب التي انتسختها بنو إسرائيل من تلك الألواح.

وقوله: { هُدًى وَرَحْمَةٌ } أي: هدى من كل ضلالة، وبيان من كل غي وشبهة، ورحمة من كل سخط وغضب.

{ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }.

أي: للذين يخشون ربهم فيعملون بها.

وقوله - عز وجل -: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا }.

قال بعضهم: قوله: { لِّمِيقَاتِنَا } ، أي: لتمام الموعدة التي وعد، وهو الأربعون الذي وعد، ولكن لا ندري ما ذلك الميقات الذي ذكر؟

وقوله: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } قال بعضهم: السبعون الذين اختارهم موسى ليكونوا مع هارون فَعُبِدَ العجل في أفنيتهم، فلم ينكروا ولم يغيروا عليهم، فأخذتهم الرجفة.

وقال الحسن: إنهم جميعاً قد عبدوا العجل إلا هارون، فالرجفة التي أخذتهم إنما أخذتهم عقوبة لما عبدوا العجل، ولسنا ندري من أولئك السبعون الذين اختارهم موسى؟ وأمكن أن يكون موسى اختار السبعين ليخرجوا معه؛ فيكونوا شهداء له على إنزال التوراة عليه وكلام ربه.

وقيل: هم الذين تركهم في أصل الجبل، فلما جاءهم موسى بالتوراة، قالوا:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ } [البقرة: 55] وهلكوا لقولهم ذلك، وقد ذكرنا أنا لا ندري من كانوا؟

وقيل: اختارهم موسى ليتوبوا إلى الله مما عمل قومهم.

وقوله: { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ }.

قال بعض أهل التأويل: لو شئت أمتهم وإياي بقتل القبطي.

وقال آخرون: لو شئت أهلكتهم على نفس الإهلاك وإياي على القدرة، أي: تقدر على إهلاكي، ولكن لا تهلكنا لما لم يكن ما نستحقه ذلك، ويشبه أن يكون قوله: { لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ } إهلاك فتنة وإياي.

وقوله - عز وجل -: { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ }.

هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: يقول - والله أعلم -: لك أن تهلكنا ابتداء إهلاك السفهاء بما فعلوا.

والثاني: يقول: لو شئت أهلكتهم وإياي من قبل، ولم تهلكنا يومنا؛ لأن موسى [إذا] أتى قومه وأخبرهم أنهم أهلكوا بسبب كذا لم يصدقه قومه بذلك، ولكنهم يتهمونه ويقولون: أنت قتلتهم على ما ذكر في بعض القصة أنه خرج بهارون إلى بعض الجبال فمات هارون هناك، فأخبر قومه بذلك فكذبوه، وقالوا: أنت قتلته؛ فعلى ذلك جائز أن يكون هاهنا خاف أن يتهمه قومه في أولئك ولا يصدقوه فيما حل بهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6