الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ }.

يحتمل قوله: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ } وجهين:

أحدهما: أنه إنما أضاف ذلك إلى نفسه لما تولى كتابتها الملائكة البررة الكرام، أضاف [ذلك] إلى نفسه تفضيلاً لهم وتعظيماً على ما ذكر في الكتاب في غير موضع؛ من نحو قوله:فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [التحريم: 12]، وقوله:مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80]، أخبر أن طاعة الرسول له طاعة، وغير ذلك، فكذلك هذا، والله أعلم.

أو أضاف ذلك إلى نفسه لما كان ويكون إلى يوم القيامة، إنما يكون بكن الذي كان منه في الأوقات التي أراد أن يكون، فعلى ذلك كَتْبُ تلك الألواح كان تحت ذلك الكن، وإن كان أضاف بعض تلك الأشياء إلى نفسه؛ كقوله:جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } [القصص: 73] وجَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً } [يونس: 5]وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } [النمل: 60] كذا وخلق لكم كذاوَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ } [السجدة: 9] ونحو ذلك، فذلك كله كان تحت قوله: { كُنْ } فكان على ما أراد أن يكون، في الأوقات التي أراد أن تكون، والله أعلم.

وقوله: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ }.

يحتمل قوله: { مِن كُلِّ شَيْءٍ }: مما يقع للعباد الحاجة إليه، ويحتمل: { مِن كُلِّ شَيْءٍ } من أمره ونهيه، وحله وحرامه.

وقوله - عز وجل -: { مَّوْعِظَةً }.

قال: الموعظة: هي التي تحمل القلوب على القبول، والجوارح على العمل.

وقال بعضهم: الموعظة: هي التي تنهى عما لا يحل.

قال أبو بكر: الموعظة: هي التي تلين القلوب القاسية، وتدمع العيون الجامدة، وتصلح الأعمال الفاسدة.

قال الشيخ - رحمه الله -: وعندنا الموعظة: هي تذكر العواقب، وتحمله على العمل بها.

وقوله - عز وجل -: { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ }.

قيل: تفصيلاً لما أمروا به، ونهوا عنه.

وقيل: بياناً لكل ما يحتاج إليه.

وقوله: { فَخُذْهَا } يحتمل - أيضاً - وجهين:

يحتمل قوله: { فَخُذْ } ، أي: اقبل، على ما ذكرنا في قوله:فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } [الأعراف: 144].

ويحتمل: اعمل بما فيها.

وقوله - عز وجل -: { بِقُوَّةٍ } قال أهل التأويل: بجد ومواظبة، ولكن قوله: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } القوة المعروفة، وعلى قول المعتزلة لا يكون أخذاً بقوة، وقد أخبر أنه أخذها بقوة؛ لأنهم يقولون: إن القوة تكون قبل الفعل، ثم يقولون: إنها لا تبقى وقتين، فيكون في الحاصل لو كانت قبل الفعل أخذاً بغير قوة دلّ أنها مع الفعل، وتقول المعتزلة: دل قوله: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } على أن القوة قد تقدمت الأمر بالأخذ، لكن لا يكون ما ذكروا؛ لأنه أمر بأخذ بقوة دل أنها تقارن الفعل لا تتقدم.

وقوله - عز وجل -: { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا }.

السابقالتالي
2 3