الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ }.

ذكر ههنا ثلاثين ليلة ثم ذكر التمام بالعشر، وذكر في السورة التي [فيها] ذكر البقرة أربعين ليلة بقوله:وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [البقرة: 51]، وهو واحد كان الميعاد له أربعين ليلة، لكن يحتمل ذكر ثلاثين مرة وعشراً وجهين:

أحدهما: أن ثلاثين ليلة كان لأمر وعشراً لأمر آخر، فذُكِرَت متفرقة لما كان الأمرين مختلفين.

والثاني: أنه كان في وقتين، كان هذا في وقت والآخر في وقت، والقصّة واحدة، والميعاد واحد، فذكر التمام بعشر؛ كقوله:فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } [البقرة: 196]، وإن كانت في وقتين، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }.

قيل: [تم] الميعاد الذي وُعِدَ له أربعين ليلة.

وقوله - عز وجل -: { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي }.

فإن قيل: ما معنى قول موسى لأخيه هارون: { ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } ، وهو كان مبعوثاً معه، رسولان إلى فرعون مشتركان في تبليغ الرسالة [إلى فرعون] بقوله:وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } [طه: 23]، وقوله:إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 16] وقوله:فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } [طه: 47]، وقوله:وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } [القصص: 34] فإذا كان هو رسولاً كموسى في تبليغ الرسالة، كيف احتاج إلى أن يقول موسى: اخلفني في قومي وهما - شرعاً - سواء في الرسالة؟

قيل: يحتمل هذا وجهين:

[يحتمل] أن يكونا كما ذكر رسولين، لكن من ولى اثنين أمراً لم يكن لواحد منهما أن ينفرد به إلا بأمر الآخر، فعلى هذا كأنه قال له: اخلفني في الحكم بينهم، وأصلح ذات بينهم، ولا تتبع من دعاك إلى سبيل المفسدين.

أو يحتمل أن يكون موسى كان هو الرسول أولاً وكان إليه الحكم، وهارون كان دخيلاً في أمره ردءاً له على ما قال:فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } [القصص: 34] ولأن موسى كان هو المأمور بها أولاً والمبعوث إليهم دونه.

ألا ترى أنه كان هو المناجي ربه دون هارون، وكان هو المعطي الألواح دون هارون؛ كقوله:وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [الأعراف: 145]، وهو الذي قال:إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } [طه: 10]، وهو الذي نودي بالبركة دون هارون، وغير ذلك من الآيات، فإذا كان كذلك استخلفه موسى في قومه.

وقوله - عز وجل -: { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا }. أي: لميعادنا الذي وعدناه.

{ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ }.

لا يجوز لنا أن نصف كيفية الكلام وماهيته، سوى أنه أنشأ كلاماً وصوتاً أسمعه موسى كيف شاء بما شاء بكلام مخلوق وصوت مخلوق.

{ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8