الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ }.

دل هذا على أن لله في فعل العباد صنعاً وفعلاً؛ حيث أضاف ونسب المجاوزة إلى نفسه، وهم الذين جاوزوا البحر، دل أن له في فعلهم صنعاً، وهذا ينقض على المعتزلة حيث أنكروا خلق أفعال العباد، وبالله المعونة والعصمة.

وقوله - عز وجل -: { فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ }.

العكوف: هو المقام والدوام، وقوله: { يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ } ، أي: وجدوهم عكوفاً على عبادة الأصنام مقيمين على ذلك.

وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً }.

يشبه أن يكون سؤالهم إلهاً يعبدونه لا على الكفر بربهم والتكذيب لرسوله، ولكن لما لم يروا أنفسهم أهلاً للعبادة لله، والخدمة له؛ لما رأوا في الشاهد أنه لا يخدم الملوك إلا الخواص لهم، والمقربون إليهم، ومن بعد منهم يخدم خواصهم، فعلى ذلك هؤلاء سألوا موسى إلهاً يعبدونه؛ لما لم يروا أنفسهم أهلاً لعبادة الله، والخدمة له؛ لتقربهم عبادة تلك الأصنام إلى الله، ويخرج ذلك مخرج التعظيم لله والتبجيل، لا على الكفر وصرف العبادة عنه إلى غيره، وكذلك كان عادة العرب أنهم كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم عبادتها إلى الله زلفى، وكذلك ما ذكر في بعض القصّة أن فرعون كان يتخذ لقومه أصناماً يعبدونها؛ لتقربهم تلك الأصنام إليه زلفى، فعلى ذلك سؤال هؤلاء لموسى: { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً } ، والله أعلم.

أو كان سؤالهم ذلك لما لم يروا في الشاهد أحداً يخدم إلا لحاجة تقع له إلى ذلك، فرأوا أن الله يتعالى [عن] أن يعبد ويخدم للحاجة، و [هم] يخدمون القادة والرسل ويعبدونهم لما رأوا [أنهم] ينالون من النعم، وأنواع المنافع من الرؤساء والكبراء؛ لذلك كانوا يخدمونهم، وأما أهل التوحيد فإنهم لا يرون العبادة لغير الله؛ لأنه ما من أحد وإن بعد منزلته ومحله إلا وآثار نعم الله عليه ظاهرة حتى عرف ذلك كل أحد، حتى لو بذل له جميع حطام الدنيا، أو أوعد بكل أنواع الوعيد؛ ليترك الدين الذي هو عليه، ما تركه ألبتة.

وفي أمر موسى - صلوات الله عليه - خصلتان، إحداهما: أن يعلم أن كيف يؤمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وكيف يعامل مرتكب الفسق والمنكر يعامل على ما عامل موسى قومه باللين والشفقة، وإن استقبلوه بالعظيم من الأمر والمناكير. والثانية: [....].

ويحتمل أن يكون سؤالهم إلهاً يعبدونه لما أن أهل الكفر قالوا لهم: إن الرسل هم الذين أمروهم بعبادة الأصنام؛ كقوله:وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف: 28] فعلى ما قالوا إن الرسل هم الذين أمروهم بذلك، سألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة.

وقوله: { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ }.

السابقالتالي
2