الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

قوله - عز جل -: { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ }.

عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: { بِٱلسِّنِينَ } قال: بالجوع، وقيل: بالقحط.

ومجاهد: { بِٱلسِّنِينَ } قال: بالجوائح ونقص من الثمرات دون ذلك.

وقال القتبي: بالسنين: بالجدب؛ يقال: أصاب الناس سنة: أي جدب.

فإن قيل: ذكر أنه أخذ آل فرعون، وكان فيهم بنو إسرائيل فما معنى التخصيص؟

قيل: يحتمل أن يكون ذلك لهم خاصّة دون بني إسرائيل، وإن كانوا فيهم؛ على ما ذكر في بعض القصّة أن القبط كانوا يشربون الدم وبنو إسرائيل الماء، أو كان الجدب والنقص من الثمرات يضر آل فرعون، ولا يضر بني إسرائيل؛ لما أنهم كانوا يأكلون للشهوة وبنو إسرائيل للحاجة، فمن يأكل للحاجة كان أقل حاجة إلى الطعام ممن يأكل للشهوة؛ فإذا لم يجدوا ما يأكلون للشهوة كان أضر بهم.

ألا ترى أنه قيل: " يأكل المؤمن في معيٍّ واحد والكافر لسبعة أمعاء ".

أو خرج تخصيص ذلك لهم لما أن في عقد بني إسرائيل أن [لله أن] يمتحنهم بجميع أنواع المحن: مرة بالشدة ومرة بالسعة، ومن عقد القبط لا، فأضيف إليهم ذلك لما لم يكن في عقدهم ذلك، وإن كانوا جميعاً في ذلك.

وقوله - عز وجل -: { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }.

أي: يتعظون، " ولعل " من الله واجب قد اتعظوا لكنهم عاندوا وكابروا، وإلا قد لزمهم الاتعاظ.

وقوله - عز وجل -: { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ }.

أي: الخصب والسعة { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } ، أي: هذا ما كنا نعرفه أبداً وما جرينا على اعتياده، أو أن يقولوا: لنا هذه بفرعون وبعبادتنا له.

{ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ }.

قيل: الضيق والقحط.

{ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ }.

وقال بشؤمه، وهذا كما قال العرب لمحمد:وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [النساء: 78] كانوا يضيفون ما يصيبهم من الحسنة إلى الله؛ لأنهم كانوا يقرون بالله، والقبط لا فيقولون ذلك من فرعون أو على الاعتياد.

فقال:قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78]؛ فعلى ذلك قال ها هنا: { أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ }. ثم يحتمل هذا وجوهاً:

قيل: جزاء تطيرهم عند الله في الآخرة.

وقيل: طائرهم وشؤمهم الذي كانوا تطيروا بموسى كان بتكذيبهم موسى؛ أضاف ذلك إلى ما عنده من الآيات؛ لأنهم بنزول تلك الآيات وإرسالها عليهم تطيروا بموسى، [وبتجدد] تلك الآيات تجدد تطيرهم وتشاؤمهم.

وقال بعضهم: قوله: { إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } ، أي: حظهم عند الله، وكذلك قال في قوله:أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ } [الإسراء: 13]، وهو كما ذكر:فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [التوبة: 125] لما كذبوا تلك الآيات زاد ما نزل [بهم] من الآيات من بعد رجساً إلى رجسهم، فعلى ذلك شؤمهم وطائرهم الذي كان بتكذيبهم موسى.

السابقالتالي
2 3