الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } قال الحسن: قوله { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } أراد آدم خاصة؛ لأنه قال: { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } أخبر: أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم بعد الخلق، ولو كان المراد منه نحن، [لكان السجود بعد خلقنا] وقد كان السجود قبل ذلك.

وقال غيره: المراد منه البشر كله؛ لأنه قال { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } [أخبر أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم]، ولو كان المراد آدم بقوله { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } خاصة، لكان [لابد أن] يذكر آدم ثانياً؛ فدل أنه أراد به ذريته.

وقال بعضهم خلقناكم: [أي] آدم، { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } في أرحامكم، ويحتمل ما قال الحسن، ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن قوله: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } أي: قدرناكم من ذلك الأصل وهو نفس آدم؛ لأن الخلق [هو التقدير]؛ كما تقول: أنا خلقته، أي: قدرته، يقول: - والله أعلم - { خَلَقْنَاكُمْ }: أى قدرناكم جميعاً من ذلك الأصل والكيان، ومنه صورناكم، { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } أي: وقد قلنا للملائكة { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وذلك جائز في اللغة.

وقد يقول بعض أهل الكلام: إن النطفة هي إنسان بقوة، ثم تصير إنساناً بفعل.

ويقول بعضهم: هي كيان الإنسان، فجائز أن يكون إضافته إلى ذلك الطين كما هو كيان وأصل لنا.

وقوله: { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } قال الحسن: إبليس لم يكن من الملائكة، وذلك أن الله - عز وجل - وصف الملائكة جملة بالطاعة له والخضوع بقوله:لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [الأنبياء: 27] وقال:لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6] وغيره من الآيات ولم يكن من إبليس إلا كل سوء، وقال أيضاً: خلق الملائكة من نور وإبليس من نار على ما ذكر، والنار ليست من جوهر النور؛ دل أنه ليس من الملائكة.

وقال في قوله: { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ }: مثل هذا يجوز أن يقال: دخل هذه الدار أهل البصرة إلا رجلاً من أهل الكوفة، دل الاستثناء على أن دخل [هنالك] أهل الكوفة؛ فعلى ذلك يدل استثناء إبليس على أن [كان هناك] أمر بالسجود لآدم لغير الملائكة أيضاً، ولكن ليس لنا إلى معرفة ذلك فائدة: أنه كان من الملائكة أو من غيره، إنما علينا أن نعرف أنه عدوٌ لنا، وقد ذكرنا هذا فيما سبق.

وقوله عز وجل: { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } قيل: قوله: { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } أي: ما منعك أن تسجد على ما ذكر في آية أخرى و [لا زائدة].

وقوله عز وجل: { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ... } بم علم عدو الله أن المخلوق من النار خير من المخلوق بالطين إلا أن يقال بأن النار جعلت لمصالح الأغذية، فمن هنا وقع له ذلك أنها خير من الطين، فيقال: إن النار وإن جعلت لصلاح الأغذية؛ فالطين جعل لوجود الأغذية فالذي جعل لوجود الشيء هو أنفع وأكبر مما جعل لمصالحه، ولعل الأغذية تصلح للأكل بغيرها بالشمس وغيرها.

السابقالتالي
2