الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } * { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } * { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } * { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } * { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } * { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } * { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } * { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } * { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } * { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } والإيتاء بالشمال أحد أعلام الشقاء، فتمنى ألا يؤتى بما فيه علم شقائه.

وقوله - عز وجل -: { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } يقول هذا في الوقت الذي قرأ ورأى فيه خلاف ما كان يظن في الدنيا ويحسب؛ لأنه كان يحسب أنه في الدنيا أحسن صنعاً من الذين آمنوا، وأقرب منزلة إلى الله - تعالى - كما قال:وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف: 104] فظهر [له بقراءته] الكتاب أنه لم يكن على ما حسب؛ بل قد أساء صنيعه؛ فود عند ذلك ألا يعرف ما حسابه؛ لئلا تظهر مساوئه.

ويحتمل أنه يتمنى أنه ترك ميتاً ولم يُحي حتى كان لا يرى الحساب ولا يعرفه.

وقوله - عز وجل -: { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } أي: ياليت الميتة الأولى { كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } ، أي: يا ليت الميتة الأولى كانت دائمة علي.

وقال بعض أهل التأويل: يا ليت النفخة الآخرة كانت تقضي بالموت والهلاك، لم تكن محيية باعثة، والله أعلم.

وقال قتادة: تمنّوا الموت، ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليهم منه، ثم الموت عليهم مقضي، وليس بقاضٍ، فحقه أن يقول: يا ليتها [كانت مقضية]؛ ولكن هذه اللفظة [يذكرها الناس في كل مكروه] من الأمور؛ ألا ترى أن الناس يدعون الله - تعالى - بأن يصرف عنهم قضاء السوء، وليس بقضاء الله؛ بل هو مقضيِهِ؛ فخرج القول على ما تعارفوا، وهذا كما يقال: (الصلاة أمر الله)، وليست هي بأمره، ولكن تأويله: أنها بأمره ما تقام، فسمي أيضاً قضاء الله، وهو في الحقيقة مقضيه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } فالأصل أن الكفرة كانوا يفتخرون بكثرة أموالهم، فيقولون:نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35] فيزعمون أن الله - تعالى - بما آتاهم من الأموال يدفعون عن أنفسهم العذاب بأموالهم إن حل بهم، فيتبين لهم في ذلك الوقت أنها لا تغني عنهم شيئاً، فيقول كل واحد منهم: { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ }.

وقوله - تعالى -: { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } ذكر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة، فالأصل: أن الكافر كان يحتج في الدنيا لنفسه بحجج باطلة، فمرة يقول:مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [الشعراء: 154]، ويقول مرة:مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [الأحقاف: 17]، ومرة يقول: هذا سحر، ومرة يقول: هو مجنون، وغير ذلك، فيعبر بقوله: { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } أي: هلكت تلك الحجج التي [كنا] نتشبث بها، واضمحلت، وظننا أنها حجج.

ومنهم من يقول: السلطان: هو القدر والشرف؛ أي: ذهب ذلك كله.

السابقالتالي
2 3 4